للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجه الشبه هنا كما قال الكاساني: (أن الثمن الثاني يصير قصاصًا بالثمن الأول فبقي من الثمن الأول زيادة لا يقابلها عوض في عقد المعاوضة، وهو تفسير الربا إلا أن الزيادة تثبت بمجموع العقدين فكان الثابت بأحدهما شبهة الربا والشبهة ملحقة بالحقيقة، بخلاف ما إذا نقد الثمن لأن المقاصة لا تتحقق بعد بالثمن فلا تتمكن الشبهة بالعقد، ولو نقد الثمن كله إلا شيئًا قليلًا فهو على الخلاف مع الشافعي ولو اشترى ما باع بمثل ما باع قبل نقد الثمن جاز بالإجماع لانعدام الشبهة، وكذا لو اشتراه بأكثر مما باعه قبل نقد الثمن) (١) .

فقد نص الحنفية في كثير من المواضع أثناء عرضهم لوسائل المحرمات أن ما أدى إلى الحرام هو حرام وأن الوسيلة إلى الشيء حكمها حكم ذلك الشيء، وهذا هو أصل الحكم بسد الذرائع، ومنها ما قاله للكاساني، " ولا يباح للشواب من النساء الخروج إلى الجماعات بدليل ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه نهى الشواب عن الخروج لأن خروجهن إلى الجماعة سبب الفتنة والفتنة حرام وما أدى إلى الحرام فهو حرام" (٢) .

وهذا تصريح واضح لاعتبار سد الذرائع في المذهب الحنفي، وبلسان أحد شيوخ هذا المذاهب.

وكذلك منها ما قاله الكاساني في شأن الاستمتاع بالحائض قال: " الاستمتاع بها بما يقرب الفرج سبب للوقوع في الحرام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه)) والمستمتع بالفخذ يحوم حول الحمى ويرتع حوله فيوشك أن يقع فيه فقد دل على أن الاستمتاع بالحرام سبب الوقوع في الحرام وسبب الحرام حرام " (٣) .

وبهذا نعلم أنه إذا كان هناك فوارق عميقة بين مذهب الشافعي الذي لا يريد أن يحكم المآل والمقاصد في العقود، وإنما يحكم صيغة العقد، فإن الحنفية وإن لم يقولوا بسد الذرائع إلا أنهم يحكمون المقاصد والمآل، ولا يرون حرجًا في تبني قواعد المالكية والحنابلة في غالب ما يتعلق بسد الذرائع (٤) .


(١) بدائع الصنائع للكاساني ٥/١٩٩، الهداية ٣/٤٧
(٢) بدائع الصنائع للكاساني ١/ ١٥٧
(٣) بدائع الصنائع للكاساني ٢/١١٩
(٤) بدائع الصنائع ج٢ ص ١٢٠

<<  <  ج: ص:  >  >>