للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأي ابن حزم في سد الذرائع:

لقد أنكر ابن حزم سد الذرائع بناء على نزعته الظاهرية التي تقف عند حد ظواهر النصوص وتبطل كل أدلة إلى أي من القياس والاستصلاح وما يتصل بهما من استحسان وسد للذرائع، وقد تناول أدلة سد الذرائع التي اعتمدها مالك والإمام أحمد بن حنبل وتعرض لها بالرد والإبطال في كتبه، وعلى الأخص في كتابه: الإحكام في أصول الأحكام، وهو محجوج بالعموم القاطع الثابت بالنقل، وبعمل الصحابة والتابعين الذي لا يدع مجالًا لأي تردد.

وقد اعتمد في رده على العمل بسد الذرائع عدة أمور، منها (١) .

إبطال الاحتجاج بحديث النبي صلى الله عليه وسلم في المنع من الشبهات: ((إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام)) الحديث. مدعيا:

أ - أن المراد بالحديث: الحض على الورع وليس تحريم الحلال.

ب - أن المراد من الحديث جلي في أن ما حول الحمى ليس من الحمي.

ج- أن المشتبهات ليست بيقين من الحرام، لأنها ليست مما فصل لنا لقوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: ١١٩] وما لم يفصل لنا أنه من الحرام فهو حلال بقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩] .

وبقوله عليه السلام: ((أعظم الناس جرمًا في الإسلام من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته)) (٢) .

ويبدو مما قرره هنا أن الشبهات ليست داخلة في إطار المحرمات، وأنه يستحب تركها فقط، وقد أجاب علماء المذاهب التي تعتمد أصل سد الذرائع بإجابات مطولة عن كل الشبهات التي أثارها ابن حزم حول العمل بأصل سد الذرائع ويمكن أن نشير في هذه العجالة إلى نماذج من هذه الردود.

أولًا: حول قول ابن حزم المشتبهات ليست من الحرام قالوا: هذا غير صحيح لأنها ترجع في الحقيقة إما إلى الحلال أو إلى الحرام وإذا خفيت على بعض الناس أو على أكثرهم فهي ليست كذلك بالنسبة إلى القليل؛ لأن مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: ((وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس)) يفيد أنها معلومة من جهة القليل منهم، وحكمها عند هؤلاء لا يخرج من مرتبتي الحلال والحرام وليس في حقيقة الأمر مرتبة ثالثة بين هاتين.


(١) الأحكام ج٦ ص ٧٤٦
(٢) سد الذريعة للبرهاني ٧٢٤

<<  <  ج: ص:  >  >>