للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا: قول ابن حزم إن النهي عن المباح تكليف بما لا يطاق وأن العمل بسد الذرائع يجعله قاصرًا على تحريم ما يؤدي إلى الحرام فقط والجواب أن العمل بسد الذرائع لم يكن قاصرًا على تحريم ما يؤدي إلى الحرام؛ لأنه يشمل ما هو أعم من ذلك، كمجرد الامتناع والكف من غير تحريم، وقد ثبت هذا بفعله صلى الله عليه وسلم حيث امتنع عن أكل الضب ولم يحرمه وبفعل الصحابة رضي الله عنهم حيث امتنعوا عن كثير من المباحات من غير أن ينقل عنهم القول بتحريمها.

ثالثًا: من الشبه التي أثيرت في هذا الموضوع قول ابن حزم بأن على النبي بيان كل ما ينبغي للمرء أن يتركه مما لا بأس به ليبلغ درجة المتيقن، فمن حديث عطية السعدي قول النبي: ((لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرًا لما به البأس)) والجواب أنه ليس من العلماء من يلزم النبي ببيان أحكام كل الوقائع لأن هذا من المحال بعينه، فإن الوقائع أكثر من أن تحصر، لأنها تختلف بحسب المكلف وظروفه الواقعة والزمان والمكان ويكفي من المشروع بيان القاعدة، وعلى المكلف أن يقيس عليها الوقائع بحسب ظروفه وأحواله، فلا بد من التفريق بين الحلال المطلق وبين ما لا بأس به، وهو الذي تركه أولى من فعله، وعلى هذا لا يلزم ترك كل حلال (١) . ولا يمكن أن نتناول مذهب ابن حزم في هذا الموضوع بكل تفصيلاته في هذا البحث لأن ابن حزم أثار شبهات كثيرة جدًا في كتابه إحكام الأحكام وحاول بكل جهوده أن يبطل العمل بسد الذرائع؛ لأنه يعتبره تشريعًا زائدًا على ما ورد به النص وذلك انتصارًا لنزعته الظاهرية التي تقف عند حد ظواهر النصوص.

وقد أخذ ابن حزم على المالكية الغلو في بعض المسائل مثل قول أصحاب مالك بأن من طلق إحدى زوجتيه وشك أهند هي أم غيرها طلقتا معا ولا يحتاج في طلاق الثانية إلى استئناف طلاق.


(١) سد الذرائع: البرهاني ص ٧٣٣

<<  <  ج: ص:  >  >>