١- ذريعة تؤدي إلى المفسدة بدون شك وتلك مجمع على وجوب سدها كشرب المسكر والزنا وهذه محرمة بوسيلتها وغايتها.
٢- ذريعة مباحة بحسب أصلها، ولم يستعملها المكلف في غير ما وضعت له، لكنها قد تجر إلى مفسدة إلا أن المصلحة فيها أرجح مثل النظر إلى المخطوبة، وكلمة الحق عند الحاكم الجائر فهذا النوع مستحب وقد يجب أحيانًا؛ لأن احتمال المفسدة فيه مرجوح، والاحتمال المرجوح لا يعتد به.
٣- ذريعة مباحة بحسب أصلها، ولم يقصد بها المكلف غير ما وضعت له، لكنها تسوق حسب الغالب إلى المفسدة، كسب أصنام المشركين أمامهم خصوصا إذا كان سيدفعهم إلى سب الله عز وجل فابن القيم سجل الإجماع على المنع سدا لذريعة ما يمكن أن يجر إليه من مفسدة راجحة، فمن ذلك قول الله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا}[البقرة: ١٠٤] الآية، ومن ذلك أيضا ما قال النبي صلى الله عليه وسلم:((إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه)) قالوا: يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال:((يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه)) متفق عليه واللفظ للبخاري عن عبد الله بن عمر، ومنها نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الشبهات بقوله عليه الصلاة والسلام:((الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه.)) .
٤- ذريعة مباحة بحسب الأصل ولكن المكلف قصد بها التوسل إلى مفسدة كهبة المال على رأس الحول فرارا من الزكاة، وعقد نكاح المحلل وبيع العينة، فأصل هذه المسائل مباح، ولكن استخدام المكلف لها في هذه الصور والغايات جعلها محرمة، ولا خلاف في وجوب سد ذريعتها بين أئمة الدين لوضوح وجه المفسدة التي تفضي إليه.
ونختم هذا المبحث بملخص لكلام ابن القيم في تعريفه لسد الذرائع فقال: لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها كانت أسبابها وطرقها تابعة لها معتبرة بها، فوسائل المحرمات والكراهة يجب المنع منها بحسب إفضائها إلى غايتها وارتباطاتها، ووسائل الطاعات والقربات يجب الإذن بحسب إفضائها إلى غايتها، فوسيلة المقصود تابعة للمقصود.