قال القرافي بالحرف:" تفرع عن هذا الفرق فرق آخر، وهو الفرق بين كون المعاصي أسبابا للرخص، وبين قاعدة مقارنة المعاصي لأسباب الرخص، فإن الأسباب من جملة الوسائل، وقد التبس هاهنا على كثير من الفقهاء، ولذلك العاصي بسفره ليست لديه رخصة الصوم ولا قصر الصلاة، فهذه الأعمال الغير مشروعة يجب فيها سد الذريعة".
ومن الرخص التي قال المالكية بعدم جوازها سدا لذريعة المعاملات الربوية، أنواع من عقود " ضع وتعجل " ومن أمثلة ذلك الخلاف الحاصل في أن من باع شيئا ما، كما إذا اشترى بضاعة بمائة درهم إلى أجل ثم ندم البائع فسأل الإقالة، ودفع مقابلها عشرة دراهم نقدا أو إلى أجل، فالمالكية منعوا ذلك فرارا من سلف جر منفعة، ومن هذه الصور: أن يبيع الإنسان الشيء بثمن ثم يشتريه بأقل من ثمنه الأول نقدًا، ليستقر في ذمته الفرق بين الثمن الأول والثاني دون مقابل، فعند مالك هذا غير جائز، والشافعية قال بعضهم إنه استئناف بيع جديد ولا بأس به، وعند مالك لم يجزه خوفا من أن يكون سلفا جر نفعًا، أو بيع الذهب بالذهب بالتفاضل، أما إن كان البيع ثم بنقد الثمنين ثم وقعت مبايعة أخرى خفض فيها أحدهما ما أخذ سواء بأجل أو بغير أجل، فهذا لا خلاف في جوازه؛ لأنه لا يمكن أن يحسب ذريعة لأحدى المخالفات المنصوص عليها في البيوع.
ومن ذلك أيضا بيع طعام بطعام قبل القبض، منعه مالك وأبو حنيفة، وأجازه الشافعي والثوري والأوزاعي، وحجة من لم يجزه أنه شبيه ببيع الطعام نساء، والذين أجازوا فسروه بغير ذلك الافتراض، إذا قالوا: لا فرق بين أن يشتري الطعام من غير المشتري، وبين أن يشتريه من عنده هو نفسه، واعتبره مالك ذريعة إلى بيع الطعام قبل القبض، وقد ألحقت هذه الوقائع بباب الحيل المحرمة في كتابي الصورية بين الشريعة والقانون، وقد أتيت بها في باب الذريعة اقتفاء بكثير من العلماء الذين درسوها تحت اسم ذلك الباب، وتتجلى الذريعة من افتراض كثير من الصور منها: أن يشتري رجل من آخر طعاما إلى أجل معلوم، فإذا حل الأجل قال الذي عليه الطعام ليس عندي طعام ولكن اشتري منك الطعام الذي وجب لك علي، فقال له الآخر هذا لا يصح شرعًا؛ لأنه بيع الطعام قبل القبض، فيقول له بع طعاما مني وأرده إليك فتتم بذلك وسيلة جائزة في شكلها ولكنها جرت إلى محرم في جوهرها، هذه أيضا من الصور التي حرمها مالك سدا لذريعة المبايعات الربوية، وأجازها الشافعي لأن من قواعده عدم الأخذ بالتهم، فالذريعة في هذه الأشياء هي اتخاذ وسائل ظاهرة الجواز لتمرر بواسطتها تصرفات حرام، وقد أورد أحمد أمين في كتابه ضحى الإسلام صورا كثيرة لذرائع اتخذت، فأباح بعض فقهاء الأمصار بواسطتها تصرفات صريحة حرمتها في نصوص كثير من الآيات والأحاديث ونظريات كتب الأصول والفروع (١) .