أما قسم الذرائع الثالث الذي لا تظهر فيه مصلحة راجحة أو مقطوع بها، فإن مالكا حرمها، لأنها إما أن تسبب فعل الحرام أو إذاية محتملة احتمالا قويًا، وإلى ذلك أشار ابن عاصم في مرتقى الأصول في الضروري من علم الأصول بقوله:
وقسمها الثالث عند مالك
معتبر لديه في المسالك
كمثل دعوى الدم دون الما ل
في رأيه والبيع للآجال
فدعوى الدم التي لا شهود فيها، غيره من العلماء قال بتوجيه اليمين فيها على المدعي عليه " المتهم " بينما مالك لم يوجه إليه فيها اليمين خشية إذاية أعراض الناس بسبب تهم لا حجة عليها، وقد اتبع في المال القاعدة المبنية على الحديث الشريف " البينة على المدعي واليمين على من أنكر " ففي هذه وافق غيره من فقهاء الأمصار وفي الأولى انفرد بسد الذريعة فيها اعتبارا لما بينا عنه حسب شارح مرتقى الأصول.
وما اتفق عليه من سد الذرائع منع سب الأصنام عند من يعلم أنها إن سبت بمحضره سيسب الله، وإليه أشار ابن عاصم بقوله:
وعندهم سد الذريعة انحتم
في مثل الامتناع عن سب الصنم
وكذلك اتفقوا على منع حفر الآبار في الطريق خشية سقوط المارة فيها فهذه وسائل اتفق العلماء على سدها.
بينما لم يتفقوا في كثير من الحالات التي قال بها مالك.
وأيضا لقائل أن يقول: إن السكنى المشتركة يمكن أن تؤدي للزنى، فهذا الأدعاء لم يقل أحد من الأئمة به وليس داخلا في حكم سد الذرائع خشية أن تجر للمخالفة أو للمضرة لأن احتمال ذلك التصور بعيد جدًا، ولا يوازي ما ينجم عن تلك الإجراءات من مصلحة، ولذلك إذا قربت المصلحة، وبعد شك المخالفة حصل الإجماع على عدم الأخذ بها حتى لا تعطل نظرية المباح الواسعة في الشريعة الإسلامية وإلى ذلك أشار ابن عاصم بقوله:
وبعضها لم يعتبر كالحجر
من اغتراس الكرم خوف الخمر
إن المبالغة في سد الذرائع نسبه العلماء للمالكية ولكتب الحنبلية، ولكن الأحكام التي اشتملت عليها الذرائع في المذهبين المذكورين موجودة في غيرهما من كتب الحنفية والشافعية تحت مسميات أخرى، وإلى ذلك أشار القرافي في كتاب الفروق بما مضمونه، وربما عبر عن الوسائل بالذرائع وهو اصطلاح أصحابنا، وهذا اللفظ المشهور في مذهبنا " يعني مذهب مالك " وعرف سد الذرائع بأنه حسم مادة وسائل الفساد، فإذا كان الفعل مباحا ولكنه سيفضي إلى فساد منع عند المالكية.