ثم قال القرافي: وليس سد الذرائع خاصا بالمذهب المالكي وحده كما توهم البعض، بل الذرائع ثلاثة أقسام: قسم أجمعت الأمة على سده ومنعه، وحسمه كحفر الآبار في طريق المسلمين فإنه وسيلة إلى إهلاكهم ومثل إلقاء السم في أطعمتهم، وكسب الأصنام عند من يعلم من حاله أنه سيسب الله تعالى عندما نسب تلك الأصنام، وقسم أجمع علماء الأمة على عدم سده، وذلك مثل زراعة العنب خشية أن يصنع منها الخمر فهذا لم يقل به أحد من علماء الأمة، وكذلك لم يقل أحد منهم بمنع التجاور خشية تعاطي الزنا هذه الحالات أجمعت الأمة على عدم استخدام الذريعة لسدها إطلاقا أما القسم الثالث فهو الذي اختلف فيه العلماء هل يسد أم لا؟ كبيوع الآجال، فمالك قال بمنعه، ومثل له القرافي بمن باع سلعة بعشرة إلى آخر الشهر ثم احتاج للدراهم ثم اشتراها بخمسة قبل الشهر، فقد خرجت من يده خمسة، ثم دفع فيها عشرة، وهذا سلف جر منفعة توسلا بصورة ظاهر البيع، ثم منع مالك هذه الحالة، بينما الشافعي أجازها لحمل الأمر على ظاهره الذي هو بيع سلعة بثمن مرتفع إلى أجل، وقال القرافي: إن هذه المسألة تفرعت عنها ألف مسألة اختص بها مالك، وخالفه الشافعي فيها جميعًا، وكذلك يقول القرافي اختلف في النظر إلى النساء هل يحرم لأنه يؤدي إلى الزنى أو لا يحرم، والمقصود من النظر نظر المرأة في لباسها بحيث لا يظهر من الحرة إلا وجهها ويداها، أما غير ذلك من جسم المرأة فيحرم النظر إليه إذا كان عاريا اتفاقًا.
ومن ذلك الحكم بالعلم هل يحرم لأنه وسيلة للقضاء بالباطل، من طرق لقضاة المنحرفين، أو لا يحرم؟ وكذلك اختلف في تضمين الصناع لأنهم يغيرون أصل السلعة بصناعتهم فلا يعرفها ربها فهل يضمنون سدا للذريعة؟ أم لا يضمنون قياسا على غيرهم من الأمناء؟ فمالك قال بسد هذه الذرائع حسب ما نقله القرافي، ثم قال بأن الشافعي خالف المالكية فيها ولم يقل بسدها.