للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن خلال هذه الحالات اتسعت الحالات التي التقت فيها الذرائع بالحيل، وأكثر ما وقع ذلك الاتصال في بيوع الآجال، التي ذكر القرافي في الفروق، وإدرار الشروق لابن الشاط: أنها وصلت ألف حالة، وهي التي اختلف فيها العلماء الخلفاء التي رأينا بعضها في أول هذا العرض.

قال في إدرار الشروق مبينا أن المالكية اعتمدوا في كثير من المسائل على سد الذرائع للحيلولة دون الوقوع في المخالفة التي يمكن أن تنجم عن بعض التصرفات فقال بالحرف: " فاختص مالك ـ رحمه الله تعالى ـ بالقول بسد الذرائع نظرا إلى أنه توسل باظهار صورة البيع (١) . " إلى المنهي عنه، أما الحيل فإن من قال بالذرائع وقف منها موقف التشدد، فبيوع الآجال التي ضبطت حيل كثيرة فيها عن مختلف الأئمة، بينما الذرائع جاهر المالكية بالقول بها وترجيح سدها في المعاملات التي يشك في سلامة محلها، فالشاطبي قال بأن مالكا حكمها في أكثر أبواب الفقه، ثم قال: " بأن حقيقتها التوسل إلى ما هو مصلحة، فإن عقد البيع أولا على سلعة بعشرة إلى أجل ظاهره الجواز من جهة ما يترتب على البيع من مصلحة (٢) . فإذا تعاملا على أن يبيع له بضاعة حاضرة بعشرين مؤجلة، ثم اشتراها من عنده بعشرة حاضرة فالعشرة المؤجلة خمسة منها كانت بدون مقابل خرج من يديه وهذه عند المالكية صورة من صور الربا، أو سلف جر منفعة، فتكون حسب قول الشاطبي، المصالح التي لأجلها شرع البيع لم يوجد منها شيء واشترط الشاطبي لعدم جواز هذه الصورة سد الذريعة ما يمكن أن ينجم عنها من مخالفة" أن يظهر ذلك قصدا أو يكثر في الناس، والشافعي أسقط الذريعة اعتبارا للمآل؛ لأن البيع إذا كان مصلحة جاز، إذ ليس هنا عند الشافعية مآل مفسدة، فالغرض هو البضاعة، وعلة الجواز العقد الصحيح على أصل الإذن لأن البيع الثاني إجراء منفرد يخضع لأصل الإذن في البيع، ثم يسوق الشاطبي قولا مهما جدا إذ قال: "فقد ظهر أن قاعدة الذرائع متفق على اعتبارها في الجملة، وإنما الخلاف في أمر آخر (٣) "


(١) إدرار الشروق بحاشية الفروق ج٢ ص ٣٢
(٢) الموافقات ج٣ ص ١٣٠
(٣) الموافقات ج ٣ ص ١٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>