لقد سبق القول بأن الحيل المحرمة، أو المشكوك في حكم النتائج التي يمكن أن تؤدي إليها تختلف تمام الاختلاف مع الذرائع، التي تتداخل لسد الطريق على نتائج تلك الحيل، لكن هذا الاختلاف ليس على إطلاقه، فالحيل التي يتحقق بسببها غرض مشروع أو تدفع حرجا لم يلزمه الحكم الشرعي، فإن الذريعة أيضا تستخدم للتوصل إليه، وهنا وقع التلاقي بين الحيل والذرائع، وقد سبق أن ضربت أمثلة لذلك منها: اضطراب الاعتراف ببعض الجرائم، وفي كل الحيل المباحة مثل التحيل على إقامة الحد في قصة أيوب عليه السلام، وقصة أم موسى في وضعه داخل التابوت، وقصة يوسف عليه السلام مع إخوته، كلها تمت فيها حيل للتخلص من وطأة واقعة معينة، وكلها أيضا استخدمت فيها ذرائع غير مباحة للوصول إلى أغراض مباحة.
لقد قسم محمد هشام الذرائع إلى أركان ثلاثة وفي تقسيمه هذا سهل دراسة كل جانب من جوانب الذريعة على حدة، فجعل تلك الأركان هي: الوسيلة وقد عرفناها لغة واصطلاحا فالذرائع التي افضت إلى محرم اتخذت إليه معبرا حلالا كصورة البيع في سلف جر منفعة، أو ضع وتعجل، أو عقد نكاح تام الأركان، ولكنه يخفي قصد التحليل للزوج الأول فهذا هو المقصود لغيره.
أما الثاني فهو الاتجاه إلى الفعل دون أن يقصد التوسل إليه فهي أيضا وسيلة حرام، إن الخلاف حصل في هذا الركن من حيث نظر الفقهاء إلى حصول المفسدة بالفعل أو الخوف من حصولها، وما هي درجة ذلك، فالذين رجحوا إمكانية حصول المفسدة حرموا الوسيلة إليها فسدوا الذريعة خوفا من حصولها، والذين لم يساورهم تخوف رجحوا البقاء على أصل الإذن، إن الموقف الأول اعتمده المالكية، والثاني الشافعية وقد تقدمت إشارات إلى أدلتهم ومن أمثلتهم:"النظر إلى الأجنبية، أو التحدث معها، من حيث كونهما ذريعتين للزنى، وكبيوع الآجال فالبعض أجرى حكم الذريعة فمنع من ذلك سدا لها، والبعض الآخر فتح الذريعة ولم يعملها"(١) .
(١) الفروق والموافقات؛ والزرقاني على الموطأ ص٥/ ٩٨؛ وقد رجع إليهم محمد هشام البرهاني ص١٠٥