للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وركنها الثاني فهو الرابطة التي تصل الوسيلة بالمتوسل إليه، ويمكننا التعبير عنه بالقصد أو النية، فمن يلجأ إلى صورة بيوع الآجال قصده منها أن يأخذ الكثير ويدفع القليل، والمحلل نيته أن يفسح المجال للمحلل له، ففي هاتين الصورتين الإجماع منعقد على تحريم هذه الرابطة أو الطريقة أو الوسيلة.

أما الركن الثالث فهو المتوسل إليه وهو أثر الفعل أو نتيجة التوسل، كحصول زواج الأول بالمرأة المحللة، أو استلام المبلغ الكثير المؤجل في صورة من صور بيوع الآجال، وهنا تكون الوسيلة محرمة بسبب ما أفضت إليه، والإعداد أو الإفضاء أو الرابط حرام لأنه كان يعلم أنه سيوصلها إلى محرم، والنتيجة حرام بأصلها، فالبضع حرم بطلاق الثلاث، وأخذ الكثير في القليل حرام لأنه صورة من صور الربا، ولأن فيه بيعا وسلفا بتكرار البيع (١) .

بعد اختصار تعاريف الذريعة، وما يتعلق بدراسة تحقيقها نوجز مكانتها من الأدلة، ذلك أن الفقهاء لما اختلفوا في حكم سد الذرائع اختلفوا كذلك في وصفها كدليل فمنهم: من جعلها مصدرا من مصادر الفقه وقد ذكرت أن القرافي جعلها هي الثانية عشر أصلا وفي بعض الكتب المالكية الأخرى حصر تلك المصادر في ستة عشر من بينها الذرئع.

ومنهم من جعلها من القواعد وذلك ما انحازت إليه موسوعة جمال عبد الناصر الفقهية، وكذلك الشاطبي استطرد الذرائع تحت عنوان القواعد فقال: "وهذا الأصل تنبني عليه قواعد منها: قاعدة سد الذرائع". أما حكمها فأحسن ما يقال فيه ما قاله الشاطبي حول موقف مالك والشافعي من الذريعة فقال ما نصه: "وأيضا فلا يصح أن يقول الشافعي: إنه يجوز التذرع إلى الربا بحال، إلا أنه لا يتهم من لم يظهر منه قصد إلى الممنوع، ومالك يتهم بسبب ظهور فعل اللغو وهو دال على القصد إلى الممنوع، فظهر أن قاعدة الذرائع متفق على اعتبارها في الجملة، وإنما الخلاف في أمر آخر" ولقد سبق الاستشهاد بهذا المبدأ.


(١) الموافقات ج٤ ص١٤٠

<<  <  ج: ص:  >  >>