للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأشد من وجه انتقادا للمتمسكين بالذرائع هو محمد بن حزم الظاهري، إذ ادعى أن التحريم بواسطة الاحتياط غير جائز؛ لأنه استدرك على أمر الشارع، قائلا بأن خوفهم أن يتطرق منها إلى الحرام، ثم احتج بحديث البخاري بسنده عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهة، فمن ترك ما شبه عليه في الإثم كان لما استبان اترك، ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان، والمعاصي حمى الله من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه)) ، ثم قال: (إن هذا إنما هو مستحب للمرء خاصة فيما أشكل عليه وأن حكم من استبان له الأمر بخلاف ذلك) (١) وادعى أن هذا الحديث على معنى آخر غير ما ادعاه من سد الذرائع لأن حمى المحارم ليس هو المباح.

ثم قال بالحرف: "ومن حرم المشتبه، وأفتى بذلك للناس، فقد زاد في الدين ما لم يأذن به الله تعالى وخالف النبي صلى الله عليه وسلم، واستدرك على ربه بعقله أشياء من الشريعة" (٢) ثم استدل بكون الصحابة كانوا يشترون من السوق أشياء لا يسألون عن أصلها ولا يهمهم شيء عن ما فيها حتى يقال إنها حرام، ثم استدل لعدم التخوف من أن يسوق البيع إلى تعاطي محرم بسؤال الصحابة رضي الله عنهم لسيد الوجود عليه الصلاة والسلام من كون الأعراب يأتونهم في سوق المدينة بلحوم ولا يدرون هل سموا الله عليها أم لا؟ فهل نأكلها أم لا؟

فقال عليه الصلاة والسلام ((سموا الله وكلوا)) أو كلام مثل هذا.

وطالب بحث الناس على الورع، وإفتائهم بترك ما حاك في الصدر، ولكن دون إلزام بحكم ولا التقيد بفتيا في هذا الموضوع.

وقال مواجها المالكية بأنهم (يحرمون حلالا كثيرا خوف مواقعة الحرام، وفي هذا عبرة لمن اعتبر، ليت شعري كما تشفقون في الاستباحة من مواقعة الحرام أما تشفقون في القطع بالتحريم) (٣) .


(١) الإحكام في أصول الأحكام لمحمد بن حزم الظاهري ج١ ص ١٨٠
(٢) الإحكام في أصول الأحكام لمحمد بن حزم الظاهري ج١ ص ١٨٠
(٣) الإحكام في أصول الأحكام لمحمد بن حزم الظاهري ج١ ص ١٨٠

<<  <  ج: ص:  >  >>