ورغم أنه ليس لقصد الناس تأثير في التشريع فإنه إذا فشا صار بمثابة مآل الفعل الذي له اعتبار في الشرع، وخاصة إذا قصد به استحلال الممنوع. فلم يعتد مالك بالتهمة لمجرد كونها تهمة، وإنما من وجهة كونها علامة عل تمالي اناس على إحلال المفسدة الممنوعة.
ولو كان الأمر لمجرد التهمة للزم عليه أن لا يمنع ما صدر من هذه الذرائع عن أهل الدين والاستقامة والفضل، كما جاء في اعتراض القرافي في الفرق الرابع والتسعين والمائة.
الفرق بين الذريعة والسبب وبين الذريعة
والوسيلة المستلزمة للمتوسل إليه
جرى اصطلاح العلماء على تسمية الذرائع بالأسباب والطرق والوسائل، باعتبار أنها أسماء لمسمى واحد مؤداه كل ما يتوصل به أو يفضي إلى مقصد من المقاصد أو غاية من الغايات.
جرى المالكية والحنابلة على هذا:
قال شهاب الدين القرافي في مفتتح الفرق الثامن والخمسين الذي تحدث فيه على قاعدة المقاصد وقاعدة الوسائل:"وربما عبر عن الوسائل بالذرائع وهو اصطلاح أصحابنا وهذا اللفظ المشهور في مذهبنا، ولذلك يقولون سد الذرائع، ومعناه حسم مادة وسائل الفساد دفعا لها ... ". فدل كلامه هذا على ترادف اللفظين: الوسائل والذرائع عند العلماء المالكية. ويقول في التنبيه الرابع من الفرق الثامن والخمسين نفسه:" ... فإن الأسباب
من جملة الوسائل ... ". فقد أثبت التداخل بين الأسباب والوسائل لأنها مثل الوسائل، فكما أن الوسائل تستلزم متوسلا إليه، فإن الأسباب تفضي إلى مسبباتها وممن سلك مسلك عدم التفريق بين هذه الكلمات: الذرائع، والوسائل، والأسباب، والطرق، شمس الدين ابن القيم الجوزية في كتابه: إعلام الموقعين، حيث عقد فصلا مهما للحديث على الوسائل وكونها تأخذ حكم المقاصد، وعنونه بقوله:"فصل في سد الذرائع".