للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أثر القول بسد الذرائع، اعتبارها وعدم اعتبارها في الفروع الفقهية

لسنا في حاجة إلى تكرار ما أسلفنا ذكره، بيد أن فيما ألمحنا إليه ما يكفي لتقرير أن القول بسد الذرائع باعتباره مقصدا تشريعيا عظيما قد أخذت به كل المذاهب دون استثناء، وإن اختلفت التسمية لدى هذه المذاهب: فالمصطلح عليه لدى المالكية والحنابلة هو اسم سد الذرائع، وعند الشافعية والأحناف فهو اسم الوسائل المستلزمة للمتوسل إليه أو هو مؤدى القاعدة: ما أدى إلى الحرام فهو حرام وإذا نعتنا سد الذرائع بكونه وصفا تشريعيا عظيما فذلك لأنه لم يكن من استنباط المذاهب المتوسعة فيه، أو المضيقة، وإنما نتيجة لاستقراء تصرفات الشريعة، فكان سد الذرائع في ثلاثة مظاهر من هذه التصرفات: في تشريع الأحكام –وفي سياسة التصرف والتعامل مع الأمم- وفي تنفيذ المقاصد الشرعية.

وفي اعتبار هذا المقصد التشريعي أثر إيجابي لا يغيب على البصيرة إذ أنه في نطاق تعارض المصالح والمفاسد وبعد الموازنة بين ما في الفعل الذي هو ذريعة من المصلحة، وبين ما في مآله من المفسدة نستطيع أن نجتهد لنتوصل إلى الحكم المناسب، وذلك بمنع وسد الذرائع التي عظم فيها فساد مآلها على صلاح الأصل، وبتجويز وفتح الذرائع التي عظم وغلب فيها صلاح الأصل على فساد المآل. وحسبنا بهذه المصلحة التشريعية لكي يقر بلزوم اعتبار هذا المقصد في الفروع الفقهية.

وقد رأينا في مجال التطبيق على مستوى كل المذاهب وما تفرعه من فروع فقهية، اعتبار هذا المقصد التشريعي على اختلاف في الأسماء والمسمى واحد وعلى تفاوت في التوسع في مجال هذا التطبيق. وهذا لا يمنعنا –في النهاية- من الاعتراف بأن لاختلاف الأنظار الاجتهادية التي تفضي باعتبار السد للذرائع في هذه القضية دون تلك أثرا جليا في اختلاف الحكم بالنسبة للقضية الواحدة من مذهب لآخر، كما كان الشأن في بيوع الآجال وقد بينا هذا الاختلاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>