قال شهاب الدين القرافي –رحمه الله-: "اعلم أن الذريعة كما يجب سدها، يجب فتحها، وتكره وتندب وتباح، فإن الذريعة هي الوسيلة، فكما أن وسيلة المحرم محرمة، فوسيلة الواجب واجبة (١) جعل سد الذرائع في الشريعة مصطلحا على سد ذرائع الفساد كما أسلفنا تفصيله. وفي مقابل السد لذرائع الشر والفساد، فتحت الشريعة ذرائع المصلحة وأوجبتها وإن كانت في أصل صورتها ممنوعة أو مباحة، وهذه المسألة هي الملقبة في أصول الفقه بأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب مثال الذريعة المفتوحة من المنع إلى الوجوب: الجهاد هو في الأصل ممنوع لما فيه من إتلاف النفس والمال، فينقلب واجبا إذا صار وسيلة وذريعة إلى حماية البيضة، وحفظ سلامة الأمة، والإبقاء على مصالحها وأمنها.
مثال الذريعة المفتوحة من الإباحة إلى الوجوب: السعي في الأرض هو في الأصل مباح، وينقلب إلى واجب إذا صار سعيا لصلاة الجمعة، أو سعيا إلى الحج أو في الحج بين الصفا والمروة.
وهكذا فالوسيلة تأخذ دائما حكمها من المتوسل إليه وكذلك الشأن في وسيلة الوسيلة وهي الاستعداد للوسيلة كما جاء في قوله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ}[التوبة: ١٢٠] . فقد أثابهم على الوسيلة للنيل من أعداء الله وهي الجهاد وأثابهم على ما نالهم من ظمأ ونصب ومخمصة بسبب السعي والتوصل إلى الجهاد، أي على ما نالهم بسبب وسيلة الوسيلة.
أما عن الذرائع المطلوب سدها فقد أسلفنا ما فيه الكفاية، ولنا فيما عدده ابن القيم من الأمثلة للتدليل على أن للوسائل حكم المقاصد، والتي بلغ عددها تسعة وتسعين ما فيه غنية للطالبين، والحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على أشرف المرسلين.