للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصول التي اعتمد عليها القائلون بسد الذرائع:

لقد عدت الذرائع – بفتحها وسيلة إلى المصلحة أو بسدها سبيلا إلى المضرة – نصف شرائع الإسلام، وكانت قطب الرحى في مذهب الإمام مالك رحمه الله فكان مذهبا فياضا بالعطاء.

والأصل في سد الذرائع هو النظر إلى الصالح العام فيجب اتخاذ الذريعة لتحقيق مصلحة عامة ويمنع اتخاذ الذريعة درءا للمفاسد فالميزان هو جلب المصالح ودفع المفاسد ما أمكن الدفع والجلب، ولا يخالف في ذلك أحد. ولا يجوز لأي شخص أن يستمسك بمصلحة مباحة له إذا أدى الاستمساك بها إلى إحداث ضرر عام، أو منع مصلحة عامة. فتلقى السلع قبل نزولها إلى الأسواق واحتكارها لأجل التحكم في أسعارها ممنوع؛ لأنه وإن كان في أصله جائزا لأنه شراء فإنه يجب منعه لأنه سيوقع الناس في ضيق والإضرار بالناس في مصالحهم العامة لا يجوز. وبيان ذلك أن موارد الأحكام قسمان:

مقاصد: وهي الأمور المكونة للمصالح والمفاسد في أنفسهما أي التي هي في ذاتها مصالح أو مفاسد. ووسائل وهي الطرق المفضية إليها، وحكمها حكم ما أفضت إليه من تحليل أو تحريم، غير أنها أخفض رتبة من المقاصد في حكمها.

يقول القرافي: الوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل وإلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل، وإلى ما هو متوسط متوسطة (١) .

فالأصل في اعتبار الذرائع هو النظر إلى مآلات الأفعال، فيأخذ الفعل حكما يتفق مع ما يؤول إليه سواء أكان يقصد ذلك الذي آل إليه الفعل أم لا يقصده، فإذا كان الفعل يؤدي إلى مطلوب فهو مطلوب، وإن كان لا يؤدي إلا إلى شر فهو ممنوع.

وبالنظر إلى هذه المآلات نجد أنه لا يلتفت إلى نية الفاعل بل إلى نتيجة العمل وثمرته وبحسب النتيجة يحمد الفعل أو يذم.

وسد الذرائع يقوم على عدة أصول وقواعد معتبرة عند الفقهاء منها:

١- جلب المصالح ودرء المفاسد.

٢- اعتبار المآل الذي يؤيده أن المصالح معتبرة في الأحكام وليست هذه في الحقيقة إلا وسائل غايتها تحقيق مصالح معينة.

٣- قاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كغسل جزء من الرأس لكمال غسل الوجه.

٤- أن الشافعية لا يجيزون كغيرهم من العلماء التذرع بأمر ظاهر الجواز لتحقيق أغراض غير مشروعة لما في ذلك من مناقضة للشرع، فهم يحرمون الوسائل المفضية إلى ممنوع، وغيرهم يراها من باب سد الذرائع ولا مشاحة في الاصطلاح.

٥- اعتبار الشبهات عند الإمام الشافعي رحمه الله والاحتياط في درء المفاسد فهو يقبل العدل الواحد في رؤية هلال شهر رمضان لأنه إثبات عبادة، ولا يقبل في هلال شوال إلا شاهدين لأنه إسقاط فرض فوجب الاحتياط لذلك.

٦- اعتبر التهم ومنه قول الشافعي رحمه الله فيما إذا أخر المعذورون صلاة الظهر حتى فاتت صلاة الجمعة أحب لهم أن يصلوها جماعة، وأن يخفوها لئلا يتهموا في الدين إلى غير ذلك.

٧- قاعدة من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه – وزاد الإمام علم الدين البلقيني رحمه الله عليها فقال: " من استعجل الشيء قبل أوانه، ولم تكن المصلحة في ثبوته عوقب بحرمانه ".


(١) انظر تنقيح الفصول ص٤٤٩؛ والفروق جـ٢ ص٣٢

<<  <  ج: ص:  >  >>