الدكتور علي الجفال اهتم ببيان أقسام الذرائع وأمثلتها في كل مذهب، وشروط الذرائع –كما ذكرت في بحثي- وقارن بين الذرائع والحيل الفقهية ومواقف أئمة الفقه الإسلامي من الاحتجاج بسد الذرائع، وقال في الفرق بين الذريعة والحيلة:
إن الذريعة لا يلزم فيها أن تكون مقصودة والحيلة لا بد فيها من القصد، وأما الذريعة فبصرك فيها حديد وعهدك بها غير بعيد. وانتهى إلى تحريم الحيل لاستعمالها في تحليل الربا والكسب الحرام.
وفضيلة الدكتور الشيخ أحمد محمد المقري بعد أن أبان أهمية سد الذرائع وحاجة الناس إليه في هذا العصر –كما قال السادة المتحدثون ممن ذكرتهم في الطليعة- أبان أيضا اتجاهات الأئمة الأربعة ومذاهبهم في مسألة سد الذرائع وقال في النهاية: سد الذرائع حجة يحتج بها، وهو أصل من أصول الفقه الإسلامي أخذ بها معظم العلماء في المبدأ واختلفوا في المقدار. وهذه نتيجة شبه متفق عليها –كما ذكرت في المقدمة- بين الجميع.
أما فضيلة الشيخ خليل الميس فذكر كغيره في بحثه الطويل معنى الذرائع وأقسامها وأمثلتها وقارن بينها وبين الحيل الفقهية، وذكر أوجه الوفاق والخلاف بينهما، وانتهى إلى القول: إن القائلين بسد الذرائع إنما حملهم على القول به خوفهم من التلاعب على أحكام الشريعة، أو الوصول إلى العبث فيها باتخاذ ما هو حلال من حيث الظاهر والأصل وسيلة إلى ما هو ممنوع ومحرم، فقالوا بالسد للذرائع احتياطا في شرع الأمر مع أن الأمر لا يعدو أن يكون في الغالب قيام شبهة في القصد. وكأنه تأثر بكلام ابن حزم في حصر الذرائع بمواضع الاحتياط والشبهة، وهذا لا شك منتقد فالذرائع لا تقتصر على تجنب مواطن الاشتباه وإنما تشمل أمورا أخرى كبيوع الآجال، وتشمل –في الحقيقة- كل ما قويت له التهمة في اتخاذ العقد جسرا للوصول إلى الربا. فهذه النتيجة فيها شيء من القصور عن المطلوب.
الدكتور خليفة بابكر الحسن حرر محل النزاع بين العلماء كما فعلت في بحثي، وذكر موقف أئمة الفقه من الأخذ بسد الذرائع مع شواهد وتطبيقات، الأمثلة التي ذكرها غيره. وارتأى في النهاية –وهذا شيء انفرد به- أن فتح الذرائع يدخل في باب الموازنة بين المصلحة والمفسدة ورجحان المصلحة، وهو ما اتجه إليه الإمام الشاطبي ثم اقترح في آخر بحثه أن فتح الذرائع –كما فعل القرافي- لا يعدو أن يكون إيغالا في استخدام المصطلحات الفنية، وهو إيغال قد يتحمله المعنى لأن فتح الذرائع موجود في كل المسائل ويحسن إدخال بعضها في قاعدة الضرورات، بمعنى أن مسائل فتح الذرائع هي ضرورات أجازت ارتكاب المحظور. كذلك هنا أرى أن قصره قضية فتح الذرائع على الضرورات بالقيد الضيق لمعنى الضرورة، في الحقيقة لا يتفق مع المبدأ المقرر وهو فتح الذرائع، فليس كل الأمور التي تفتح فيها الذرائع تكون من باب الضرورات وإنما قد تكون الذريعة إلى المباح فتكون مباحة وليست ضرورة، وقد تكون الذريعة إلى المندوب وإلى الواجب، وقد لا ينطبق معنى الضرورة عليها.