أيضا يقتضي سد الذرائع منع الحيل الشرعية المحظورة لأن الحيلة نوعان حيلة مباحة وحيلة ممنوعة. الحيلة المباحة مثل ما فعل أهل بخارى الحنفيون الذين لا يجيزون – بحسب قواعد مذهبهم - التجارة الطويلة، فوجدوا أنه في إجارة الأشجار والكروم يحتاجون إلى الإجارة الطويلة فاحتالوا لذلك ببيع الكرم وفاء، وهو البيع الوفائي، فتوصلوا إلى الهدف من طريق هذا البيع فهذه حيلة مقبولة. أما الحيلة الممنوعة التي هاجمها ابن القيم ونحن نهاجمها وكما قلت يعبر عن من يأخذ بالحيل وهم الشافعية والحنفية يقولون:(قال أرباب الحيل) ، ويكررها في كتابه (إعلام الموقعين) ، فمثل حيلة إسقاط الزكاة قبل نهاية الحول الزكوي يأتي شخص وهو صاحب هذا المال ويهب ماله إلى فقير وقد يكون كفيفا في الغالب، فيعطيه هذا المال ثم يقول له يا شيخ فلان أنت مالك ومال هذه الصرة؟ فيقول نعم جزاك الله خيرا، فيقول له تبيعها إلي فيستردها منه في الحال بمائة درهم، فيأخذ هذه المائة درهم ويكون قد حضر له طعاما فيدفأ من هذا الطعام ويرد له المال فيتخلص من الزكاة.
هذا عبث وهذا أمر لا يقبله صغار الناس وصغار العقلاء فما بالنا بالكبار خصوصا وأن شريعتنا شريعة مثالية لا تقبل مثل هذا بحال من الأحوال.
والنهية أن الذرائع أنواع وهي: ذرائع مجمع على منعها وهي المنصوص عليها، لا خلاف في ذلك، أو المؤدية إلى المفسدة قطعًا، أو إلى المفسدة كثيرا غالبا أي بحسب غلبة الظن وتكثر الحالات، أو لأن الظن في الأحكام العملية يجري مجرى العلم أو اليقين سواء أكانت الوسيلة مباحة أو مندوبة أم واجبة. ومن المجمع عليه البيوع التي يظهر فيها القصد إلى الربا بالنص على ذلك في العقد، هذا متفق عليه إذا نص في العقد على أن القصد من هذا البيع الوصول إلى الربا هذا متفق على منعه، لكن الخلاف أن يكون العقد خاليا من هذا النص ويتواطأ خارج العقد على أن يكون هذا البيع جسرا للوصول إلى الربا، هذه كما سأبين موضع الخلاف. وهناك ذرائع مجمع على إباحتها وهي ما يؤدي إلى المفسدة نادرا كحفر البئر في ملك خاص هذا لا يضر ذلك لأن الإنسان حر التصرف في ملكه. وأما الذرائع والتي هي في الحقيقة محل الخلاف ومحط النزاع بين العلماء وهي بيوع الآجال أو بيوع العينة وأشباهها التي يظهر منها القصد إلى الربا أو الممنوع والباعث عليها خبيثًا.