بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله وصحبه الميامين، البحث في هذا الأصل المهم من أصول الفقه الذي يتوقف على ثبوته أو عدم ثبوته أحكام كثيرة يعمل بها العباد، يستدعي من كل مخلص في سبيل الدين التريث والجهد للوصول إلى الحقيقة. وقد رأيت أن أطرح بعض النقاط لعلها تكون مفيدة للوصول إلى النتيجة. هنا أمثلة تسرد لقاعدة سد الذرائع وعليها دليل خاص ورد من الشارع، وهذا لا كلام لنا فيه ويصح لنا نسبته إلى الشارع والتدين به لأنه حكم شرعي دل عليه دليل قطعي من الشريعة. وأما ما كان من أمثلة قد تضرب لسد الذرائع التي تؤدي غالبا إلى الحرام ولكن الشارع لم يحرمها بنص شرعي خاص أو عام، ليكون هذا النص العام قاعدة عامة يشمل كل الذرائع التي قد تؤدي إلى الحرام، وهذا هو موضوع البحث في سد الذرائع. إذن الذي يريد أن يسد الذرائع إلى الحرام فيحرمها لا بد له من اقتناص دليل قوي حتى يتمكن أن ينسل الحرمة من الشارع، ولا يمكن أن يكتفي بالأدلة التي دلت على سد ذريعة معينة خاصة، فإن الشارع يمكنه أن يتكلم بكلام عام فيأتي بصيغة عامة تدل على تحريم كل ذريعة.
... ثم ما دام الفقيه إذا قلنا إذا كان الفقيه شاكا في حرمة الذريعة التي قد تؤدي إلى الحرام أو يظن بحرمتها فما هو الأصل الذي يجب أن يعتمد عليه؟ هذا الذي أريد أن أركز عليه. ما دام الفقيه شاكا في حرمة الذريعة في صورة الشك التي قد تؤدي إلى الحرام أو يظن حرمتها فما هو الأصل الذي يجب أن يعتمد عليه في صورة الشك؟. بعبارة أخرى إذا ظننا بالحرمة هل يمكننا أو يحق لنا أن نسند الحرمة إلى الشارع ونتدين بها ونفتي على أختها، هل يجوز لنا في حالة الظن بالحرمة؟.
طبعا ما أراه هو عدم الجواز، ويكفي كدليل عليه من القرآن الكريم قوله تعالى حيث قال في ذم اليهود:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ}[يونس: ٥٩] ، فقد دلت هذه الآية على أن ما لم يكن إذن من الشارع في التحريم يكون إسناد الحكم إلى الشارع من الافتراء الباطل. ومن السنة أيضا توجد هناك روايات تقول حتى لو قضى الإنسان بالحق وهو لا يعلم فهو في النار. إذن إذا نسبنا حكما إلى الشارع في مورد الشك أو الظن فحتى لو كان حكمنا حقا ولكنه من دون دليل فينطبق علينا الإفتاء بغير العلم والقضاء بالحق مع عدم العلم.
بالنسبة إلى حكم العقل، العقلاء يقبحون من تكلف بالحرمة وأسندها إلى المولى إلى الشارع وهو لا يعلم بالحرمة بل ظن بها ظنًا. طبعا هذا حكم عقلي ضروري، يعني تقبيح.