للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيخ عبد اللطيف الفرفور:

بسم الله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أولا يجب علي أن أشكر باسمكم جميعا صاحب الفضيلة الدكتور وهبة الزحيلي على عرضه القيم فلقد لخص جميع الأبحاث تلخيصا حسنًا. وإنني ليس لي أي اعتراض على تلخيصه وعرضه الكريم ولكن لي اعتراض على بعض ما ورد في هذه الأبحاث. فما نقل عن ابن القيم في موضوع (أرباب الحيل) لا يقصد به الحنفية والشافعية كما يبدو للذهن أو يتبادر؛ لأن العلامة ابن القيم الزرعي –رحمه الله ورضي عنه- كان كثير التقدير والاحترام للأئمة وللمذاهب، وإنما يعترض بقوله (أرباب الحيل) يعترض على بعض المتفقهة الذين انتسبوا إلى بعض المذاهب الفقهية من المتأخرين وأدخلوا في هذه المذاهب ما ليس منها. فالحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة جميعا المتقدمون –وهذا قاسم مشترك بيننا جميعا فيما يظهر- متفقون على أن الحيل التي تؤدي إلى أمر محرم ممنوعة شرعا مهما قلنا في وصف هذا المنع، هل هو حرام أو مكروه تحريماً؟ هذا اصطلاح، وأن الحيل التي تؤدي إلى المسموح شرعا مسموحة، ودليل ذلك ما ورد في كتب الحنفية من أن رجلا –وهذا الأمر موجود في (فتح القدير) و (العناية شرح الهداية) و (البناية) و (الكفاية) وفي ابن عابدين وغيره من كتب المذهب- جاء إلى الإمام أبي يوسف –رحمه الله- فقال له: يا قاضي القضاة إنني رجل مليء ووجبت علي الزكاة فاستكثرتها فأخذت هذه الزكاة التي أوجبها الله علي وجمعتها إلى مالي كله ووهبته إلى زوجتي فوهبتني إياه، فمر الحول عليهما معا وهما لا يجب عليهما الزكاة لا الزوج باعتبار أنه لم يتم حول قمري ولا الزوجة لأنها ملكته يوما واحدًا، هل سقطت عني الزكاة؟ قال: "سقطتما ولكن إلى النار".

هذا هو موقف الحنفية من الحيل الممنوعة وهذا موقف أئمتهم، يعني الطبقات الأولى من المذهب مثلا إلى الطبقة العشرين، أما إذا جاء بعد ذلك من بعض المتفقهة، جاء مثلا في بعض كتب الحنفية المتأخرة: ولو أن رجلا أحب أن يتخلص من ماء مستعمل ماذا يفعل به؟ قالوا: يعطيه لكلب أو يبيعه لشافعي. هل هذا يمثل المذهب؟ هذا كلام الشرنبلالي، هذا لا يمثل المذهب. وقال بعض الشافعية: ولو أن رجلا دخل في فرج امرأة!! هذا لا يمثل المذهب. يعني هذا كلام فاسد من أساسه فلا يجوز أن نقول قالت الشافعية كذا وقالت الحنفية كذا. هذا كلام يوجد في كل المذاهب الفقهية، كلام سخيف تافه كهذا الكلام مردود لدى العقلاء ولدى الفقهاء. وبالجملة الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة من مذاهب الجمهور فيما أحسب أيضا أن الإمامية الاثني عشرية كذلك مثل مذاهب الجمهور كلها متفقة على أمرين اثنين: أن الحيل التي تؤدي إلى الممنوع ممنوعة مهما كانت درجة المنع، هذا اصطلاح؛ لأن الحنفية، وهذا أقوله لأخي فضيلة الشيخ حسن الجواهري حينما أصر على أن ... فقالوا: لا يجوز أن نقول عما ثبتت حرمته بالاجتهاد –يعني ومعلوم لديكم أن الاجتهاد بأغلبية الظن ليس بالنص- لا يجوز أن نقول عنه إنه حرام بل نقول عنه مكروه تحريما أو مكروه تنزيها مثلا وذلك على حسب درجة الكراهة، ولا يجوز أن نقول حرام –عند الحنفية- إلا إذا جاء النص على ذلك من كتاب أو سنة متواترة أو مشهورة أو إجماع المصلحة يجوز أن ينقض بمثله كما هو معلوم لديكم. حينئذ نرى أن دوائر المذاهب كلها تنصب في دائرة واحدة وهي: أن قضية الحيل أو قضية الذرائع ثلاثة أصناف، صنف ممنوع وصنف مسموح، وصنف مختلف فيه. وهذا القاسم المشترك موجود لدينا جميعًا، فلماذا مثلا يقال إن الحنفية والشافعية هم أرباب الحيل؟ هل رأينا أبا حنيفة على ورعه أو الشافعي أو أبا يوسف أو محمد بن الحسن أو تلامذة الإمام الشافعي كالمزني وغيره قالوا بهذه الحيل، أو سمحوا بها للناس؟ الواقع أن العلامة ابن القيم أكبر وأجل وأكثر ورعا وتحوطا لدينه وأكثر تأدبا مع العلماء الأوائل حينما قال: أرباب الحيل، ولم يقل الحنفية ولا الشافعية.

<<  <  ج: ص:  >  >>