للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وروى ابن شاهين بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبني العنبر حين انتهبوا مال الزكاة: ((اجعلوا بيني وبينكم حكمًا)) . . . .، فقالوا: يا رسول الله، الأعور بن بشامة، فقال: ((بل أسيدكم ابن عمرو)) . . . .، فقالوا: يا رسول الله الأعور بن بشامة، فحكمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحكم بأن يفدى شطر ويعتق شطر (١) .

ووجه الدلالة في هذا الحديث أن عرض الرسول صلى الله عليه وسلم للتحكيم وقبوله من ارتضاه الخصم وأصر عليه، دليل على مشروعية التحكيم الرضائي في فض المنازعات.

١٤ – وإلى جانب هذه الأحاديث الشريفة التي تشهد بمشروعية نظام التحكيم المبني على التراضي، فإن العمل قد جرى بين الصحابة في صدر الإسلام على الأخذ به.

فقد تحاكم عمر بن الخطاب وأبي بن كعب، إلى زيد بن ثابت، وتحاكم عمر مع رجل اشترى منه فرسًا إلى شريح، وتحاكم عثمان بن عفان وطلحة إلى جبير بن مطعم، وتحاكم عبد الله بن عمر ووالدة أرملة ابنه إلى زيد بن ثابت (٢) ، وكان احتكام هؤلاء الصحابة جميعًا – رضوان الله عليهم – بناء على تراض منهم في خصومات نشبت بينهم، وقد تم اختيارهم للمحتكم إليه برضائهم، كما أن من اختاروه قبل الحكومة، وقضى بينهم فنفذوا ما حكم به، ولم يكن من القضاة الذين خصم ولي الأمر بالحكم بين الناس (٣) .


(١) الإصابة لابن حجر العسقلاني ج ١ ص ٥٥ – وفي إسناده جهالة – الموسوعة الفقهية ج ١٠ ص ٢٣٥ هامش؟
(٢) في تفصيلات الوقائع المشار إليها: كشاف القناع ج ٦ ص ٣٠٣؛ أسنى المطالب ج ٤ ص ٦٧؛ تاريخ ابن كثير ج ٩ ص ٢٥؛ المبسوط للسرخسي ج ١١ ص ٥٣
(٣) هناك وقائع أخرى وردت عن الصحابة رضوان الله عليهم، واستدل بها البعض على مشروعية التحكيم، ومن ذلك ما ورد من نزاع بين أعرابي وعثمان بن عفان بسبب عدوان بني عم عثمان علي إبل للأعرابي، وأنهم احتكموا إلى عبد الله بن مسعود، وما أوصى به عمر بن الخطاب من أن يختار الرهط الذين ذكر أسماءهم، خليفته بعد موته، وتحكيمه رضي الله عنه خمسة من الأوس ومثلهم من الخزرج في قسمة سواد العراق، وغير ذلك مما قد لا يكون له دلالة – في نظرنا – على مشروعية نوع التحكيم الرضائي الذي يتناوله البحث

<<  <  ج: ص:  >  >>