للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمرجع في الوضوح وعدمه إلى اللغة والعرف، فإذا استعمل المتحاكمان اللفظ – مثلًا – بيانًا لإرادتهما، إن كان بصيغة الماضي دل على التراضي باتفاق الأئمة الأربعة؛ ذلك لأن هذه الصيغة وإن كانت للماضي وضعًا، فإنها جعلت إيجابًا في الحال في عرف أهل اللغة والشرع والعرف قاض على الوضع، وإن كان بصيغة الأمر، فإن الحنفية يرون أن هذه الصيغة تفيد طلب الإيجاب والقبول وليست إيجابًا وقبولًا، فلا بد من إيجاب وقبول بلفظ آخر يدل عليهما، أما عند المالكية والشافعية، فإن صيغة الأمر، وإن كانت تدل – لغة – على الطلب، مما يحتمل الرضاء وعدمه، فإنها عرفًا تدل على الرضا، وبذلك تستوي صيغة الأمر في دلالتها مع صيغة الماضي في هذا الشأن.

أما صيغة المضارع فإنها – في رأي الجمهور – تحتمل الحال والاستقبال، وبالتالي فهي لا تكفي – وحدها – للدلالة على التراضي، ويجب أن تساند بدليل آخر، إن أريد الاستدلال بها عليه، ومثل ذلك استعمال صيغة الاستفهام (١) .

أما تعليق قبول التحكيم على شرط أو إضافته للمستقبل، فيرى الإمام محمد من الحنفية جواز ذلك؛ لأن التحكيم – عنده – تولية وتفويض كالوكالة والقضاء، فيجوز فيه التعليق والإضافة كما جاز فيهما، ويرى الإمام أبو يوسف – وهو ما عليه الفتوى – عدم جواز ذلك؛ لأن التحكيم عنده من عقود التمليكات لما فيه من تمليك الولاية، وعقود التمليكات لا يجوز تعليقها أو إضافتها للمستقبل، لما في ذلك من منافاة لما قصده الشارع فيها من ترتيب حكمها فور انعقادها، هذا إلى جانب أن التحكيم وإن كان تولية صورة، فإنه صلح معنى، والصلح لا يصلح معلقًا ولا مضافًا، فكذلك يجب أن يكون التحكيم (٢) .


(١) البدائع للكاساني ج ٥ ص١٣٣، ١٣٤؛ حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج ٣ ص ٣، ٤؛ المذهب للشيرازي جزء أول ص ٢٥٧
(٢) الفتاوى الهندية ج ٣ ص ٢١٧، ٥٧٠؛ جامع الفصوليين ج ٢ ص ٢؛ فتح القدير ج ٥ ص ٥٠٢؛ البحر الرائق ج ٧ ص ٢٤، ٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>