للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٧- وإذا كان الرضاء يجب أن يكون واضحًا، فإنه يجب كذلك أن تتطابق فيه الإرادتان على المحل، فيتفق الإيجاب والقبول اتفاقًا كاملًا، أو كما عبر به الكاساني في البدائع بأن يقبل أحدهما ما أوجبه الآخر، وبما أوجبه، فإن خالفه، بأن قيل غير ما أوجبه، أو ببعض ما أوجبه، لا ينعقد، من غير إيجاب مبتدأ موافق (١) .

على أنه فيما يختص بقبول بعض ما أوجبه الخصم الأول فإن شرطه أن يكون ما أوجبه قابلًا للتفرق (أي التجزئة) ، فإذا كان لا يقبل التفرق، سواء بحسب طبيعته، أو وفق ما هو موضح في إيجاب الخصم الأول، فإن قبول البعض دون البعض، يعد رفضًا للإيجاب الأول، قياسًا على ما صرح به الفقهاء في حكم تفرق الصفقة المبيعة (٢) .

١٨- وإذا كان الرضا بالتحكيم لا يشترط أن يتم في شكل معين، وإنما يكفي فيه التقاء الإيجاب مع القبول وتطابق الإرادتين، فإنه لا يشترط فيه – كذلك – أن يكون سابقًا على المنازعة أو لاحقًا عليها، فيجوز أن يتفق على التحكيم بعد أن تنشب الخصومة، كما يجوز أن يتفق عليه مسبقًا، كأن يضمن الطرفان العقد الذي بينهما، اتفاقًا على أنه يتولى التحكيم حسم ما قد ينشأ – مستقبلًا – من منازعات في تنفيذ هذا العقد (٣)

وإذا كان الفقه الإسلامي لم يتضمن – بصورة واضحة – تقسيم صور الاتفاق على التحكيم إلى ما يسبق نشوء المنازعة، وما يلحق بها، فإن عباراته تسع ذلك (٤) . ولا تتأبى أن يستعمل معها ما اصطلح عليه رجال القانون من إطلاق كلمة (شرط التحكيم) على ما يكون منصوصًا عليه في العقود من قبول الالتجاء إلى التحكيم فيما قد ينشأ مستقبلًا من منازعات في هذه العقود، وإطلاق اسم اتفاق التحكيم (أو مشارطة التحكيم أو وثيقة التحكيم (على الاتفاق اللاحق على نشوء المنازعة (٥) .


(١) البدائع للكاساني ج ٥ ص ١٣٦
(٢) فتح القدير ج ٥ ص ٧٧، ص ٨٢؛ البدائع ج ٥ ص ١٣٦
(٣) البحر الرائق ج ٧ ص ٢٥؛ فتح القدير ج ٥ ص ٤٩٩ وما بعدها.
(٤) . جرى نص المادة الأولى من نظام التحكيم السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم م / ٤٦ وتاريخ ١٢ / ٧ / ١٤٠٣ هـ على أنه: (يجوز الاتفاق على التحكيم في نزاع معين قائم، كما يجوز الاتفاق مسبقًا على التحكيم في أي نزاع يقوم نتيجة لتنفيذ عقد معين) . وفي إمارة أبو ظبي نص قانون إجراءات المحاكم المدنية رقم ٣ لسنة ١٩٧٠ على صورة ثالثة، قوامها أن تكون الدعوى مرفوعة فعلًا أمام المحكمة، ويطلب الخصوم – كتابة – إحالة النزاع، كليًّا أو جزئيًّا، على التحكيم (المادتان ٨٢، ٩٤) .
(٥) اختار نظام التحكيم السعودي اصطلاح (وثيقة التحكيم واختار القانون الكويتي اصطلاح) (اتفاق التحكيم) وهو الاصطلاح الذي انتهى إليه المجمع اللغوي المصري (الدكتور محمد محمود هاشم، النظرية العامة للتحكيم) ، الجزء الأول ص ٧٢ إلى ٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>