للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٩- على أنه أيا كان وقت التراضي على التحكيم، فإنه يجب أن يكون في خصومة بالمعنى الشرعي؛ لأن حكم المحكم كحكم القاضي المولى يشترط لصحته سبق الدعوى الصحيحة، وهذه يشترط لصحتها أن تكون في خصومة حقيقية، فإذا لم يكن هناك تخاصم حقيقي فلا تحكيم كما إذا ملك شخص تجارة في مكانين مختلفين، وأقام الدعوى من نفسه، بوصفه صاحب أحد المحلين، على عامله في المحل الآخر، بغية إثبات مدينوية معينة، فذلك غير مقبول، لا سيما والفقه الإسلامي لا يعرف الشخصية الاعتبارية في مثل هذه الحالة، وإن أقر بها ضمنًا لبعض الشركات التجارية في حالات أخرى.

كما أنه لا تحكيم كذلك إذا افتعلت خصومة صورية بين شخصين ابتغاء الحصول على حكم من المحكم، توصلًا لأمر خارج، عن موضوع الدعوى، كما في دعوى ملكية العقار ملكا مطلقًا، إذا كان المدعى عليه ليس هو واضع اليد، وتواضع الطرفان على الاحتكام إلى المحكم، على أن يصادق المدعى عليه – بغير حق – على وضع يده ليقيم البينة على الملك، فيحكم به الحكم، تمهيدًا لنزع العين من يد صاحبها، فالتحكيم في مثل هذه الحالة غير سائغ ولا مقبول؛ لأن المدعى عليه ليس خصمًا حقيقيًّا في المنازعة، والحكم عليه – في حقيقة الأمر – ليس إلا ضربًا من العبث؛ لأنه لا يلزم في وقاع الأمر بشيء، لانعدام صلته بالمدعى به، وفي اتخاذ التحكيم وسيلة للإضرار بالخصم الحقيقي انحراف به عما شرع من أجله (١) .


(١) الشيخ علي قراعة، الأصول القضائية في المرافعات الشرعية ص ١٠، ص ١٣، بند ٦، ٧، ١٦؛ والدكتور أحمد أبو الوفا، التحكيم الاختياري والإجباري ص ٤٨، ص ٧٥، ص ٧٦، وقد أشار إلى أن القانونيين – كالفقه الإسلامي – يرون وجوب أن تكون هناك خصومة حتى يكون تحكيم رضائي، كما يرون كذلك ضرورة توافر الصفة للمحتكمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>