للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٤- فإذا تم الاتفاق على التحكيم اتفاقا واضحًا حدد نطاقه وأوضح شروطه، بما يتفق مع شريعة الله , ولا يخرج عليها، فإنه يرتب آثاره المنشودة، التي تتركز في أثرين رئيسيين، أحدهما سلبي والآخر إيجابي.

٢٥- فأما الأثر السلبي فيتمثل في تنازل الخصمين عن الالتجاء إلى القضاء العادي للفصل في المنازعة وذلك هو مقتضى اتفاقهما على حل منازعتهما عن طريق التحكيم، ولكن هل يشترط لتحقق هذا الأثر أن يكون تنفيذ التحكيم ممكنًا؟ على نحو ما هو مطبق فعلًا في أغلب نظم التحكيم دون نص، كما إذا توفي المحتكم إليه أو زالت صفته قبل إتمام مهمته، ولم يتفق الخصوم على غيره , ولا يسمح النظام للقضاء بأن يعين حكمًا بالنيابة عن الخصوم (١) .

الواقع أن هذا الشرط جدير بالتطبيق في النظام الإسلامي لأنه نابع من طبيعة نظام التحكيم ذاته، فالخصوم إنما منعوا أنفسهم عن القضاء رغبة في سلوك طريق آخر، فإذا انغلق باب هذا الطريق رجعت الأمور إلى نصابها، وعاد للقضاء حقه في الفصل في المنازعة، بصفته صاحب الولاية العامة والأصلية في هذا الشأن.

٢٦ – ومن ناحية أخرى فإن الاتفاق على التحكيم نفسه اتفاق غير لازم؛ لأنه يرتبط بإرادة الطرفين التي قام عليها، وهي معتبرة في لزومه كما هي معتبرة في أصله، ومن ثم فإن الإرادة التي أنشأته تملك – بصفة عامة – أن تعدل عنه.

وليس في تطبيق هذه القاعدة خلاف يذكر بين الفقهاء في حالة رجوع الطرفين عن التحكيم قبل الشروع فيه؛ لأن المحتكم إليه مقلد من قبلهما، فأشبه الوكيل الذي يجوز للموكل أن يرجع عن توكيله، ما دام لم يشرع في مباشرة التصرف الموكول إليه.

أما إذا كان الرجوع منها بعد صدور الحكم، فإن الجمهور لا يعتد به، إذ الحكم قد صدر من المحكم عن ولاية شرعية كاملة، فأشبه الصلح الذي لا يجوز الرجوع فيه بعد تمامه، كما أشبه حكم القاضي الذي لا يتأثر بمجرد عزله بعد إصداره.

فإذا كان الحكم قد شرع في التحكيم، ولما يصدر حكمه بعد، فقد قال المالكية وفريق من الحنابلة: لا يجوز للمتحاكمين الرجوع في التحكيم؛ لأن الرضا لا يشترط دوامه حتى الحكم، فإذا أقاما البينة عند الحكم، ثم بدا لهما الرجوع عن التحكيم فلا يقبل منهما ذلك وإلا بطل المقصود من التحكيم.


(١) الدكتور أحمد أبو الوفا، التحكيم الاختياري والإجباري ص ١٢٩ مرجع سابق، وأحكام النقض المصرية المشار إليها فيه

<<  <  ج: ص:  >  >>