للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالت الشافعية - فيما صح من مذهبهم – وبعض الحنفية والحنابلة: يجوز الرجوع ولو بعد إقامة البينة، ذلك أن الرضا هو المثبت للولاية، فإذا زال زالت الولاية، كالقاضي إذا عزله الوالي، امتنع عليه الحكم لعدم الولاية.

هذا كله عن رجوع الخصمين، كليهما عن التحكيم، أما رجوع أحدهما وحده مع بقاء الثاني على الاحتكام للحكم الذي اختاره من قبل، فيرى فريق من العلماء، منهم العلامة ابن الماجشون من المالكية، أنه لا يجوز؛ لأن التحكيم من باب الولاية، وهي تختص بالحكم على الخصمين بخلاف ما يرضيانه، هذا إلى جانب ما قاله بعض المالكية من أن الخصم أوجب لخصمه – في قبوله التحكيم – حقًّا في الفصل في المنازعة عن هذا الطريق، وبالتالي لا يجوز له الرجوع إلا برضا هذا الخصم (١)

٢٧- ذلك عن الأثر السلبي للاتفاق على التحكيم أما الأثر الإيجابي فيتمثل في فض الخصومة على يد المحكم الذي اختاره الطرفان، وفي النطاق الذي اتفقا عليه، وفي حدود ما أوجبته الشريعة الإسلامية من قواعد موضوعية وإجرائية، فإذا ما انحرف التحكيم عن هذا الاتجاه، بعناصره السابقة، فإن القضاء يكون له بالمرصاد، إذا ما ترافع إليه أي من الطرفين للنقض أو التنفيذ.

أما إذا التزم التحكيم جادة الطريق، فإنه لا ينقض حتى يؤتي ثمرته وهي الحكم الفاصل في الخصومة، وذلك ما لم تنقض المدة المحددة دون حكم، أو يتفق الخصوم على العدول عنه في الحالات التي يجوز فيها ذلك، أو يعزل المحتكم إليه نفسه، بإعلان رغبته في عدم المضي في التحكيم، أو يفقد أهلية.


(١) حاشية الرهوني علي الزرقاني ج ٧ ص ٣٠١؛ والبحر الرائق ج ٧ ص ٢٦؛ وفتح القدير ج ٥ ص ٥٠٠ ومما قاله المالكية: (قال ابن القاسم في المجموعة: إذا حكماه وأقاما البينة عنده ثم بدا لأحدهما، قبل أن يحكم، قال: أرى أن يقضى بينهما، ويجوز حكمه. قال مطرف: له النزوع قبل نظر الحاكم بينهما في شيء، فأما بعد أن ينشبا في الخصومة عنده، ونظره في شيء من أمرهما، فلا نزوع لواحد منهما ويلزمهما التمادي. وقال ابن الماجشون: ليس لأحدهما أن يبدو له، كان ذلك قبل أن يفاتحه صاحبه أو بعد ما ناشبه الخصومة، وحكمه لازم. وقال سحنون في المجموعة وكتاب ابنه: لكل واحد فيهما أن يرجع في ذلك ما لم يمض الحكم فيه، فإذا أمضاه بينهما فليس لأحدهما أن يرجع فيه) (المنتقى شرح موطأ الإمام مالك، الجزء الخامس ص ٢٢٧) . ومما قاله الحنابلة: ولكل واحد من الخصمين الرجوع عن تحكيمه قبل شروعه في الحكم؛ لأنه لا يلزم حكمه إلا برضا الخصمين، أشبه رجوع الموكل عن التوكيل قبل التصرف فيما وكل فيه، ولا يصح رجوع أحدهما بعد الشروع في الحكم وقبل تمامه، كرجوع الموكل بعد صدور ما وكل فيه من وكيله (كشاف القناع عن متن الإقناع، ج ٦ ص ٣٠٩) ومما قال الشافعية: (وإن رجع أحدهما قبل الحكم ولو بعد استيفاء شروط البينة، امتنع الحكم لعدم استمرار الرضا) (نهاية المحتاج شرح المنهاج الجزء الثامن ص ٢٤٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>