للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الثالث

المحتكم إليه

٢٨- تعتبر شخصية المحتكم إليه عنصرًا رئيسيًّا في التحكيم، فقد قبل المحتكمون حكمه من قبل أن يصدره، ثقة منهم في حسن تقديره وعدالته، ولذلك فإنه يجب أن يكون اختياره بإرادتهما، أو على الأقل بناء على هذه الإرادة، وأن يقبل هو أداء المهمة الموكولة إليه، إذ لا يملك المحتكمون ولاية إجباره على القيام بما عهدوا إليه به، وأن يكون – هو – أهلًا لذلك، حتى يمكن أن يكون لحكمه من الاحترام ما يسمح للقضاء بأن يقره ولا ينقضه، أن ينفذه ولا يهدره، في الحالات التي تسهم فيها سلطة الدولة في تنفيذ حكم صدر عن شخص لم تختره، وليست له ولاية عامة تساند ما قضى به.

وإذا كانت نقاط البحث التي تدور حول المحتكم إليه من أهميتها، تلتقي في كثير من عناصرها ما أفاض فيه علماؤنا الأفاضل بشأن القاضي المولى، فإنه قد يحسن الاقتصار – في هذا البحث – علي أهم ما يتميز به المحتكم إليه، وعلى الأخص ما يترتب على تغلغل الرضائية في توليته، وانعكاس ذلك على أهليته وعلى سلطته من ناحية، ومدى تدخل الشريعة الإسلامية – من ناحية أخرى – لتصحيح مسار الإرادة في هذا الشأن.

٢٩ – ومن أبرز الآثار المترتبة على الرضائية والمتصلة بشخصية المحتكم إليه، أنه يجب أن يكون معينًا، إذ إن المتحكمين – كما سبق القول – إنما يحتكمان إلى من يثقان في تقديره وعدالته، ومن ثم فلو كان مجهولًا فإنه لا يتصور تحقق هذه الثقة، كما إذا اتفقا على شخص معين، ثم تبين أنه غير الذي قصداه.

وإذا كان الأصل أن يكون تعيين المحتكم إليه بالاسم، فإن تحديده بالصفة لا يحول دون صحة التحكيم، طالما أنه يكشف عن اختيار المحتكمين لشخص محدد لا تنطبق أوصافه على غيره، كما لو اختارا إمام المسجد أو مفتي المدينة، وكان الإمام أو المفتي واحدًا، بل إنه يجوز لهما أن يختارا قاضي البلدة حَكَمًا، وفي هذه الحالة يستمد ولايته منهما، لا من الإمام، فلو عزله الإمام عن القضاء لا يؤثر ذلك على سلطته في التحكيم (١)


(١) تبيين الحقائق للزيلعي ج ٤ ص ١٩٤

<<  <  ج: ص:  >  >>