للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس للاتفاق على الشخص المحتكم إليه شكل معين، فيجوز أن يكون بالكتابة أو غيرها، وينطبق على ذلك القواعد التي سبق إيرادها بشأن الاتفاق على التحكيم ذاته، فإذا ترافع الطرفان – مثلًا – لمحتكم معين فإن ذلك يعد تعيينًا له، كما إذا ارتضيا التحكيم، واختارا أحدهما محكمًا، فترافع أمامه الثاني دون تحفظ، أو اتفقا على اثنين، ليفصل أحدهما في المنازعة ولم يحدداه في الاتفاق، وترافعا لأحدهما فعلًا.

فإذا لم يتفق الطرفان على شخصية الحكم، مع اتفاقهما على التحكيم، فإنه يجوز لأي منهما أن يرفع الأمر إلى القاضي ليختار شخصية المحتكم إليه، إذ ذلك لا يعدو أن يكون منازعة من المنازعات التي يختص بها القاضي بحكم ولايته العامة، وهو يملك وضعه الحل المناسب لها ما بقى الطرفان مصرين على التحكيم، وذلك بتعيين الحكم الذي يتفق مع إرادتهما المشتركة، وفق ما يكشف عنه اتفاقهما صراحة أو ضمنًا وطالما أن هذا الاتفاق لا يدل على أن الطرفين لم يجعلا من تحديد شخصية المحتكم إليه بأنفسهما شرطًا لصحة التحكيم.

ولا يقال: إن تدخل القضاء في هذه الحالة ينزع عن التحكيم طابعه الرضائي ويتعارض مع الفكرة الأساسية في نظام التحكيم ذاته، وهي تحقيق ثقة الخصوم في المحكمين (١) ، بفرض شخصية المحتكم إليه فرضًا من القضاء، لا يقل تعقيبًا؛ ذلك لأن في استطاعة المحتكمين – إذا لم يريدا ذلك – أن يجعلا من تعيين المحكمين في شرط التحكيم أو في مشارطته، شرطًا لصحته بحيث يبطل إذا انتقى هذا الشرط، أما وقد سكتا، وظلا على رغبتهما في التحكيم، فإنه لا مفر من تدخل القضاء إذا ترافع إليه أحدهما، فذلك واجبه، وتلك وظيفته (٢) ، وهو هنا يسعى إلى تدعيم التحكيم برفع عقبه، وأثبت العمل أنها تؤدي إلى فشله في أحيان كثيرة، وليس في عمله اعتداء على إرادة الطرفين أو كليهما، إلا بالقدر الذي يعتبر وفاء بالتحكيم الذي تعاقدا عليه، لا سيما إذا كان النظام الذي يستظلان به ينص على حق القضاء في ذلك، كما يفعل نظام التحكيم السعودي حين ينص في المادة العاشرة منه على أنه: (إذا لم يعين الخصوم المحكمين أو امتنع أحد الطرفين عن تعيين المحكم أو المحكمين الذين ينفردون باختيارهم أو امتنع واحد أو أكثر من المحكمين عن العمل، أو اعتزله أو قام به مانع من مباشرة التحكيم أو عزل عنه، ولم يكن من بين الخصوم شرط خاص، عينت الجهة المختصة أصلًا بنظر النزاع من يلزم من المحكمين، وذلك بناء على طلب من يهمه التعجيل من الخصوم ...) .


(١) يرى بعض الشافعية أن تعيين القاضي للحكم يدخل في باب الإنابة ولا يأخذ حكم المحتكم إليه المختار مباشرة من الطرفين (روضة الطالبين ج ١١ ص ١٢١)
(٢) الدكتور محمود محمد هاشم، النظرية العامة للتحكيم في المواد المدنية والتجارية، مرجع سابق ص ١٧١ – ١٧٢، والدكتورة آمال أحمد العزايري، دور قضاء الدولة في تحقيق فاعلية التحكيم،، منشأة المعارف سنة ١٩٩٣ ص ٢١٨ وما بعدها

<<  <  ج: ص:  >  >>