للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٠- ولا بأس من تعدد الحكام، استرشادًا بما نص عليه الكتاب الكريم في شأن النزاع بين الزوجين أو صيد الحرم، غير أنه لا يشترط في هذه الحالة ما تشترطه أغلب النظم الوضعية من أن يكون العدد وترًا، فيجوز أن يكون شفعًا، كأن يختار كل من الخصمين حكمًا أو اثنين أو أربعة، أو يختار كل منهما واحدًا، ويعين المختاران ثالثًا (وهو ما يطلق عليه اسم: الحكم المرجح في النظم الوضعية) ، على أنه في حالة التعدد، فإنه يجب أن يكون الحكم صادرًا بالإجماع؛ لأن المحتكمين إنما رضوا بحكم المحكمين لا بحكم واحد منهم أو بعضهم، وذلك ما لم يأذنوا للحكام بأن يقضوا بالأغلبية، أو كان النظام الذي يحتكمون في ظله يجيز ذلك، وفي هذه الحالة يتطلب النظام عادة أن يكون العدد وترًا حتى يتسنى صدور الحكم دون حاجة إلى وجود حكم مرجح. (١) .

٣١- على أن الحكم، فردًا كان أو متعددًا، لا يجبر على قبول التحكيم، إذ لا يملك الأفراد إجباره عليه، وإنما مصدر التزامه به هو التقاء إرادته مع إرادة الطرفين المتخاصمين، بكل ما حوته هذه الإرادة الأخيرة من تفصيلات تتصل بموضوع التحكيم أو زمانه أو مكانه، أو ما قد يكون عليه من قيود أخرى لا تتعارض مع القواعد الواجبة التطبيق في الشريعة الإسلامية.

وإذا كان التحكيم عقدًا غير لازم بالنسبة لطرفيه، في الحدود التي سبق إيضاحها فإنه – أيضًا – غير لازم بالنسبة للمحتكم إليه، فيستطيع أن يعزل نفسه عنه في أي وقت، طالما لم يصدر حكمه بعد، ولا يستطيع المحتكم – بحسب الأصل – أن يحول بينه وبين ذلك بدعوى أن له حقًّا مكتسبًا تولد بقبوله التحكيم؛ وذلك لأن انعزال الحكم – كقاعدة عامة – لا يضر بالمحتكم، إذ هو يرده إلى الطريق العادي لفض الخصومات، وهو طريق القضاء، وذلك إذا لم يتراض الخصمان على حكم آخر، غير أن الانعزال – مع ذلك – لا يؤتي ثماره إلا بعلم المحتكم، مثله في ذلك مثل عزل الوكيل نفسه، فإنه لا ينعزل حتى يعلم الموكل بالعزل.


(١) ينص عجز المادة الرابعة من نظام التحكيم السعودي على أنه: (إذا تعدد المحكمون وجب أن يكون عددهم وترًا) ، كما تنص المادة ١٦ منه على أن: (يصدر حكم المحكمين بأغلبية الآراء، وإذا كانوا مفوضين بالصلح وجب صدور الحكم بالإجماع) .

<<  <  ج: ص:  >  >>