للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يعد تراخي الحكم في أداء المهمة المعهود بها إليه عزلًا لنفسه، بعد قبوله، ما دام في حدود المهلة المحددة له، إذا كانت هناك مدة لذلك يحددها الاتفاق أو العرف أو النظام الذي يستظل به التحكيم، ولا يعد مجرد سفر المحتكم إليه، أو حبسه أو غيابه عن البلدة، عدولًا ضمنيًّا، عن قبوله التحكيم فإذا عاد من سفره أو خرج من حبسه أو آب من غيبته، فإنه يكون على حكومته

ولا يجوز للمحتكم إليه، يستخلف غيره في نظر النزاع؛ لأن رضاء المحتكمين إنما انصب عليه دون غيره، فإذا استخلف – على خلاف ذلك – وحكم الحكم المستخلف، لا ينفذ حكمه إلا إذا أجازه الطرفان؛ لأن الإجازة بمنزلة الإنشاء، فتصح حكومة المستخلف، ما لم يعتورها عيب آخر، كأن يكون غريمًا للصبي الذي احتكم وليه، فإن حكمه لا ينفذ في هذه الحالة حفاظًا على مصلحة الصغير.

٣٢- وإذا كان من المقرر في الفقه الإسلامي أن الأصل العام أنه يشترط في المحتكم إليه ما يشترط في القاضي المولى (١) إلا أن اختيار المحتكم إليه بإرادة الطرفين، وبناء على ثقتهما فيه، وذلك ليحكم في أمور حدداها سلفًا، ولا يكون لحكمه أثر يتعدى إلى غيرهما، كل ذلك من شأنه أن يترك بصماته على الشروط التي يجب توافرها في المحتكم إليه، فيخفف من بعضها، إعلاء لعوامل الثقة على عوامل الكفاءة، فيجبر رضاء الطرفين عن المحتكم إليه بعض ما قد يلحقه من نقص، وتصبح حكومته مع ما يعتورها من مثالب لو تحققت في القاضي المولى لم يصح معها قضاؤه.

هذا إلى جانب أن بعض الفقهاء الإسلاميين – بالقياس إلى ما يراه غيرهم – يترخصون في شروط القاضي، وبالتالي فإنهم من باب أولى –يترخصون في شروط المحتكم إليه؛ لأنه أدنى منه درجة، وقد حاز رضا الطرفين وثقتهم كما أن بعضًا من هؤلاء الأفاضل يغلبون جانب المصلحة على جانب الشكل في بعض الحالات، فيرون إمضاء حكم المحتكم إليه، الذي يفتقد بعض الشروط، ما دام قد حكم فعلًا، استجابة لرضا الطرفين به، وهو غير صالح – في الأصل – للحكومة.


(١) يقول في روضة الطالب – مثلًا -: (فإذا جوزنا التحكيم اشترط في المحكم صفات القاضي) ج ١١ ص ١٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>