للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا ريب أن ما سبقت الإشارة إليه لا يتناول إلا بعضًا من شروط المحتكم إليه؛ ذلك لأن هناك من الشروط ما لا يقبل الخلاف، وذلك كشرط الإسلام في الحكومة بين المسلمين، فلم يقل أحد يعتد برأيه بأنه يجوز تحكيم غير المسلم في المنازعات بين المسلمين، أما ما عدا ذلك من الشروط فإن معظمها قد اختلف فيه العلماء، بما يبسط أمام الطرفين مجال التطبيق، ويمنح ولي الأمر سعة في اختيار الرأي الذي يستلزمه المصلحة، ما دام قد ارتاح إلى دليله، وذلك إذا تبنى ما تطبقه أغلب البلاد الإسلامية - حاليًا – من عدم الالتزام – التزامًا مطلقًا – بمذهب معين من مذاهب الفقه الإسلامي.

وعلى هدي ما تقدم، فإنه يمكن – على الرأي السائد في الفقه الحنفي – أن يرتضي الطرفان تحكيم الفاسق أو الجاهل أو تحكيم المرأة؛ لأن كلًّا من هؤلاء تجوز توليته القضاء، فيصبح – من باب أولى – أن يكون حكمًا، فإذا حاز الفاسق ثقة المتحاكمين، وهما يعلمان سبب فسقه، فإن حكومته صحيحة؛ لأنه أهل للشهادة من ناحية، ولأن العدالة شرط كمال، وليست شرط تولية (١) ، مثلها في ذلك مثل العلم بفقه المسألة، فالجاهل إذا تولى التحكيم واسترشد بالعلماء صحت حكومته.

وإذا احتكم المحتكمان إلى امرأة فيما تجوز شهادتها فيه كغير الحدود والقصاص، وحكمت، نفذ حكمها؛ لأن قضاءها في ذلك ينفذ، مع خلاف في جواز توليتها – في الأصل – أو عدم جواز ذلك (٢)

ومن زاوية أخرى فإنه على الرأي السائد في مذهب المالكية، فإنه لا يشترط لصحة تولية المحتكم أن يكون سليم الحواس، فتصح حكومة الأعمى، والأخرس، والأصم وينفذ قضاؤه (٣) .


(١) تنص المادة ١١ من نظام التحكيم السعودي في عجزها على أنه لا يجوز رد المحكم إلا لأسباب تحدث أو تظهر بعد إيداع وثيقة التحكيم، ومعنى ذلك أنه لا يصلح سببًا للرد، الأسباب التي تكون قد حدثت وظهرت لذوي الشأن قبل إيداع وثيقة التحكيم. (في تفصيل ذلك: بحث الأستاذ عبد العزيز المحيمد، المقدم إلى مجمع تحكيم الشرق الأوسط والبحر المتوسط، عن تطوير التحكيم في المملكة العربية السعودية، في الندوة المقدمة في القاهرة في الفترة من ٧ – ١٢ يناير سنة ١٩٨٩، والمنشور ضمن أبحاث هذه الندوة)
(٢) في تحكيم الفاسق والجاهل والمرأة في المذهب الحنفي، رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين ج ٥ ص ٤٤٠؛ فتح القدير لكمال بن الهمام ج ٧ ص ٢٢٤ وما بعدها؛ بدائع الصنائع ج ٧ ص ٣، وقد تولى الأستاذ الدكتور محمد رأفت عثمان شرح ذلك باستفاضة في كتابه القضاء في الفقه الإسلامي ص ٤٦ وما بعدها، وقد استدل فضيلته بأدلة قوية على ما رآه من أن الحنفية لا يجيزون تولية المرأة القضاء، فإذا وليت، مع إثم من ولاها، فحكمت في الأمور التي تصح فيها شهادتها، وهي ما عدا الحدود والدماء، فإنه ينفذ حكمها إذا وافق كتاب الله وسنة رسوله، ص ٤٦ وما بعدها.
(٣) الشرح الصغير للدردير ج ٤ ص ١٩١؛ وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج ٤. ص ١٣٠؛ المنتقى للباجي ج ٥ ص ٢٢٨

<<  <  ج: ص:  >  >>