للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومع احتفاظ النظام الأساسي للمحكمة بالأصول التي استقر عليها المجتمع الدولي في تنظيم المحاكم الدولية، فإنه خص المحكمة الإسلامية – في الوقت ذاته – بأمور تكشف عن طابعها المميز، كقيامها على الشريعة الإسلامية نصًّا وروحًا، واعتبارها اللغة العربية هي اللغة الأولى، وتعزيز سلطتها في الوظيفة الدبلوماسية والتحكيمية؛ ليجوز لها أن تقوم – عن طريق لجنة من الشخصيات المرموقة أو عن طريق كبار المسؤولين في جهازها – بالوساطة أو التوفيق أو التحكيم في الخلافات التي تنشب بين عضوين أو أكثر من أعضاء المؤتمر الإسلامي، إذا أبدت الأطراف المتنازعة رغبتها في ذلك أو طلب ذلك مؤتمر القمة الإسلامي أو المؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية بتوافق الآراء.

ولا ريب أن ما توافر للمحكمة الإسلامية الدولية وما سوف يتوافر لها بعون الله من عوامل، جدير بأن يسهم في دفعها إلى الطريق السوي، وأن يوفر لها مناخًا ملائمًا لازدهارها والإقبال عليها، بما لم يتوافر لمحكمة العدل الدولية، وبما يقطع كل الحجج التي تساق لتبرير الاحتكام إلى محاكم غير إسلامية في منازعات الدول الإسلامية، لا سيما ونظام هذه المحكمة يستلزم انتقاء شيوخ ثقات خبراء في الشريعة وفي القانون الدولي، لهم من صفاتهم الشخصية والعلمية والإيمانية ما يسمح للطمأنينة أن تسكن جنباتنا، وقد طالبهم النظام أن يضعوا في بوقتة الشريعة الإسلامية، أحكام القانون الدولي، والاتفاقيات الدولية الثنائية والمتعددة الأطراف والعرف الدولي المعمول به والمبادئ العامة للقانون والأحكام الصادرة عن المحاكم الدولية ومذاهب كبار فقهاء القانون الدولي في مختلف الدول.

على أن إنصاف الشريعة الإسلامية لتأخذ مكانها على قمة القواعد الدولية التي تحكم القضاء والتحكيم الدوليين، يقتضي من الدول الإسلامية ومن منظمة المؤتمر الإسلامي - على وجه الخصوص – أن تسعى إلى بلورة قواعد الشريعة الغراء لتكشف عن جوهرها الأصيل، وتجلو قدرتها على تنظيم المجتمعات على اختلاف ظروفها وتنوع تطورها.

وقد يدفعنا هذا إلى أن نناشد مجمع الفقه الإسلامي أن يضع في خططه القريبة الاهتمام – بصورة أوسع – بأسلمة قواعد القانون الدولي، بدراسات فقهية متخصصة تضبط هذه القواعد على الوجهة الشرعية، وتنزل حكم الله على ما أحدثته المجتمعات الدولية من علاقات وما نشأ بينها من منازعات لم تعرض لفقهائنا الأوائل ويحتاج إلى اجتهاد جماعي يعززه العلم وتظلله التقوى ويحيط به الإيمان، كسائر عهدنا بما يقوم به هذا المجمع، وما يقدمه من ثراء فقهي مرموق.

والله ولي التوفيق

المستشار محمد بدر يوسف المنياوي

<<  <  ج: ص:  >  >>