للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرجوع عن التحكيم

هل يجوز للخصمين الرجوع عن التحكيم قبل الحكم أم لا؟

لم أجد خلافًا بين الفقهاء في جواز رجوع كل واحد من الخصمين عن تحكيمه قبل شروع الحكم في حكمه. واستدل بأنه لا يثبت إلا برضاه فأشبه ما لو رجع عن التوكيل قبل التصرف (١) .

ويرده بأن الرضا بأصل التحكيم موجود، وأما استمرار رضاهما فهو أول الكلام، والدليل عين المدعي، وأما القياس بالتوكيل فباطل؛ لأنه يغاير التوكيل..

والذي يقوى في النفس وإن لم نجد موافقًا هو أنه لا يجوز الرجوع عن التحكيم ولو قبل شروع الحكم، والدليل على ذلك قوله: (فاجعلوه بينكم فإني جعلته قاضيًا) فبمجرد التحكيم صار المحكم قاضيًا، وعزله عن التحكيم يحتاج إلى دليل، وهو مفقود، نعم للخصمين، أن ينصرفا عن التنازع والتداعي، وأما عزل الحكم فلا.

رجوع الحكم عن حكمه

إذا حكم القاضي بعد تحكيمه لا يجوز له الرجوع عن حكمه الذي حكم بالحق والعدل؛ لأنه بعد التحكيم يطلق عليه القاضي، وحكم القاضي لا يجوز نقضه سواء كان النقض من قبله أو من قبل آخر، ويدل عليه مقبولة عمر بن حنظلة حيث قال: (فإنما استخف بحكم الله) ، فإن هذا التعليل يجري في رجوعه عن حكم أيضًا، وأما إذا عم ببطلان حكمه، وأنه حكم بغير الحق فيجب عليها الرجوع عن حكمه، إذ ورد النهي عن الحكم بغير الحق.

رجوع الحكم عن الحكم لأحدهما بمحل النزاع والحكم الآخر:

ظهر في المسألة السابقة حكم هذه المسألة، بأنه لو حكم بالحق فلا يجوز الرجوع، ولو رجع وحكم للآخر صار ممن حكم بغير الحق والعدل وبغير ما أنزل الله، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون، وأما لو تبين له أن حكمه الأول حكم بغير الحق فيجب عليه الرجوع والحكم الآخر بالحق والعدل وإلا فهو ممن لم يحكم بما أنزل الله، وحكمه الأول كلا حكم، ويدل عليه ما ورد في تحاكم النبي صلى الله عليه وسلم مع الأعرابي.


(١) المغني، ج ١٠، ص ١٣٧

<<  <  ج: ص:  >  >>