للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

احتكام غير المسلم إلى محاكم إسلامية

احتكام غير المسلم إلى محاكم إسلامية في دولة إسلامية:

المسألة ذات صور:

١- لو تحاكم ذميان من أهل ملة واحدة كأهل التوراة مثلًا إلى محاكم إسلامية من دون التحاكم إلى حكام أهل ملتهما: لا خلاف عندنا كما في الجواهر (١) ، بل عليه الإجماع كما في السرائر (٢) بأن الحاكم بالخيار في ذلك: إن شاء حكم، وإن شاء ترك، وحكي عن الشافعي في أحد قوليه (٣) وبه قال ابن قدامة (٤)

وحكي عن الشافعي (٥) ، وأبي حنيفة (٦) ، والمزني (٧) وجوب الحكم على الحاكم، وقال به البيضاوي (٨) .

استدل على القول الأول بوجهين:

أولًا: قوله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: ٤٢] .

وأورد عليه البيضاوي (٩) بأن الآية ليست في أهل الذمة.

أقول: وإن لم تكن الآية في أهل الذمة فليست مختصة بغيرهم، بل هي مطلقة تشمل أهل التوراة سواء كانوا ذميين أم لا.

نعم يرد عليه أولًا: أن الآية مختصة ظاهرًا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وإسراء حكمها إلى سائر الحكام يحتاج إلى دليل.

وثانيًا: مختصة بأهل التوراة، فلا تشمل سائر أهل الكتاب، والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ} [المائدة: ٤٣] .

وحكي عن الحسن (١٠) أنه قال: هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: ٤٩] فنسخ الاختيار، وأوجب الحكم بينهم..

ويرد عليه على أن النسخ يحتاج إلى دليل، وهو مفقود، والجمع بين الآيتين ممكن عرفًا بأن الآية الأولى وردت في مورد أصل الحكم بينهم، وهذه الآية وردت في مورد أنه يجب الحكم بما أنزل الله لا في مورد أصل الحكم أي إذا أردت أن تحكم فاحكم بينهم بما أنزل الله.


(١) الجواهر، ج ٢١، ص ٣١٨
(٢) السرائر، ج ٢، ص ١٩٧
(٣) تفسير البيضاوي، ج ١، ص ٢٦٧
(٤) المغني، ج ٩، ص ٢٨٩
(٥) الجواهر، ج ٢١، ص ٣١٩؛ تفسير الفخر الرازي، ج ١١، ص ٢٤٢
(٦) تفسير البيضاوي، ج ١، ص ٢٦٧
(٧) الجواهر، ج ٢١، ص ٣١٩
(٨) تفسير البيضاوي، ج ١، ص ٢٦٧.
(٩) تفسير البيضاوي، ج ١، ص ٢٦٧
(١٠) فقه القرآن للراوندي (الينابيع الفقهية، ج١١، ص: ١٥٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>