للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثانيًا: أنه يتوقف على وجوب الحكم بمقتضى شريعة الإسلام، والكلام فيه يأتي.

وثالثًا: وإن كان الحكم بمقتضى الشريعة صغارًا على المحكوم عليه، ولكنه ليس كذلك بالنسبة إلى المحكوم له، بل عزة له.

ورابعًا: لو كان إجراء الصغار واجبًا عليهم مطلقًا فلم كان رسول الله صلى الله علبه وسلم مخيرًا في الحكم بينهم.

هذا كله في أصل الحكم بينهم من التخيير أو الوجوب والثاني هو الظاهر في حالة قيام دولة إسلامية.

وأما إذا حكم الحاكم بينهم إما وجوبًا وإما تخييرًا فبمقتضى أي شريعة يحكم بينهم؟

الظاهر أنه لا خلاف بيننا في أنه إن حكم فلا يجوز له أن يحكم إلا بما تقتضه شريعة الإسلام وعدله، ولا يجوز له أن يحكم إلا بالحق.

قال العلامة (١) : ولو ترافعوا إلينا في خصوماتهم تخير الحاكم بين الحكم بشرع الإسلام وردهم إلى أهل نحلتهم ليحكموا بمقتضى شرعهم.

قال صاحب الجواهر (٢) : لو تحاكم إلينا ذميان مثلًا كان الحاكم مخيرًا بين الحكم عليهما بحكم الإسلام، وبين الإعراض عنهم بلا خلاف أجده فيه بيننا.

وحكي ذلك عن أبي حنيفة (٣) ، وبه قال الماوردي (٤) وأبو يعلى (٥) ، وابن قدامة (٦) .

واستدل على ذلك بقوله تعالى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: ٤٢] .

ولكن لا دلالة فيها على وجوب الحكم بمقتضى شريعة الإسلام، إذ ليست في مقام بيان مستند الحكم، بل وردت في مورد لزوم الحكم بالعدل، فلو دل دليل على جواز الحكم بمقتضى شريعتهم فلا ينافي كونه حكمًا بالقسط.

وبقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: ٤٩] .

وهذه أيضا لاتدل على المدعى إذ الحكم بمقتضى شريعة التوراة والإنجيل حكم بما أنزل الله وليس في الآية ما يعين المراد مما أنزل الله بأنه ما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم فالآية مطلقة.

وبقوله تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: ٤٨] .

هي كالآية التي قبلها في الدلالة فلا نعيدها.


(١) القواعد (جامع المقاصد، ج ٣، ص ٤٥٩) .
(٢) الجواهر، ج ٢١، ص ٣١٨.
(٣) تفسير الكشاف، ج ١، ص ٦١٤
(٤) الأحكام السلطانية، ص ١٤٥ – ١٤٦.
(٥) الأحكام السلطانية
(٦) المغني، ج٩، ص ٢٨٩

<<  <  ج: ص:  >  >>