للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن قيل: إن قوله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} [المائدة: ٤٨] ، وقوله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: ٤٩]

قرينتان على حمل ما أنزل الله على ما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم.

قلنا: لا قرينة فيهما؛ إذ يحتمل أن يكون المراد من قوله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} [المائدة: ٤٨] أي: لا تتبع أهواءهم في الحكم بغير ما أنزل الله عما جاءك من الحق أي من الحكم بما أنزل الله، ومن قوله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: ٤٩] أي ما أنزل الله إليك من الحكم بما أنزل الله فالآيتان مطلقتان.

نعم يمكن أن يقال: إنهما محفوفتان بما يتحمل القرينة، فتكونان مجملتين، والقدر المتيقن هو الحكم بمقتضى شريعة الإسلام.

٢- لو تحاكم ذميان من أهل ملة واحدة إلى محاكم إسلامية بعد أن تحاكما إلى حكامهم فقضوا عليهما بالجور أو بالعدل في مذهبهم.

قال محمد بن إدريس (١) : إن كان قد قضى عليه بما هو صحيح مذهبهم فقد أمرنا أن نقرهم على أحكامهم، فلا يجوز لنا أن نفسخ حكمهم عليهم، ولا نرده عليهم، ولا نجيبه إلى ما دفعه عن نفسه، وإن كان قد قضى عليه بجور على مذهبهم فنرده؛ لأنا أمرنا أن نقرهم على أحكامهم وما يجوز عندهم دون ما لا يجوز.

قال المحقق الثاني (٢) : لو تحاكموا إلى حكامهم فقضوا عليهم بالجور فترافعوا إلينا وجب الحكم بشرع الإسلام.

وقال صاحب الجواهر (٣) : الظاهر أنه يجوز له أيضًا نقض حكمهم الباطل إذا استعداه أحد الخصمين.

يدل على ذلك ما رواه محمد بن الحسن بإسناده عن ابن قولويه عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن أبيه عن محمد بن الحسين عن يزيد بن إسحاق عن هارون بن حمزة عن أبي عبد الله (ع) قالت: قلت: رجلان من أهل الكتاب نصرانيان أو يهوديان كان بينهما خصومة، فقضى بينهما حاكم من حكامهما بجور فأبى الذي قضى عليه أن يقبل وسأل أن يرد إلى حكم المسلمين، قال: يرد إلى حكم المسلمين (٤) .


(١) السرائر، ج ٢، ص١٩٨
(٢) جامع المقاصد، ج ٣، ص ٤٥٩
(٣) الجواهر، ج ٢١، ص٣١٩
(٤) الوسائل، ج ١٨، الباب ٤٧ من أبواب كيفية الحكم، ج ٢، ص ٢١٨

<<  <  ج: ص:  >  >>