إن عادة التحكيم معروفة في الجاهلية، فقد حكمت قريش، في نزاعها مع القبائل العربية الأخرى حول من يضع الحجر الأسود في مكانه بعد إعادة بناء الكعبة، أول داخل إلى البيت العتيق، فكان الرسول عليه الصلاة والسلام.
كما أن من عادة القبائل العربية أن تلجأ إلى شيوخ القبائل لتحكمهم فيما يعن لهم من خلافات، وكان ذلك هو القضاء في المجتمع القبلي.
وجاء الإسلام، فهذب التحكيم وسما به، وجعله مرحلة يستأنس بها القاضي أو يركن إليها الخصوم لفض المنازعات. ووضع له نظامًا يضبطه، فاشترط في المحكمين ما يضمن خبرتهم وعدلهم، وحدد القضايا التي يقبل فيها التحكيم، بل إن القرآن الكريم أعطى لكلمة التحكيم معنى القضاء، إذا كان الحكم هو النبي صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى في الآية ٦٥ من سورة البقرة:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}[البقرة: ٦٥] . لأن حكم النبي قضاء.
وتطور التحكيم في مختلف البلاد الإسلامية، إلى ما يسمى بالسديد، وظهرت وظيفة قاضي السداد، وفي تاريخ القضاء بالأندلس والمغرب نجد مراتب للقضاة حسب النظام الذي حكموا وقضوا في ظله.
ثانيًا: التحكيم والإفتاء:
يختلف التحكيم عن الإفتاء في أن الفتوى هي رأي استشاري ليست له قوة الإلزام، فقد كان المفتي في الأندلس والمغرب يقدم للخصوم فتوى في موضوع النازلة ليستأنس القاضي بمضمونها المبني على حكم الشرع، بينما كانت الفتوى في بعض البلاد الإسلامية تنحصر حدودها في المسائل المتعلقة بالدين فقط.