للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يجري فيه التحكيم:

ويجوز التحكيم في الأمور المالية والأحوال الشخصية والأمور السياسية المتعلقة بين الحكام والمحكومين أو بين الدول المسلمة بعضها مع بعض، وقد منع بعض الفقهاء أن يكون التحكيم في عقوبة الله تعالى (١) أي في الحدود والقصاص لأنه لا ولاية للمحكمين على دمهما أي هي من حقوق الله تعالى والإمام هو المتعين لاستيفائهما (٢) ، وقال شمس الأئمة والكمال بن الهمام من الحنفية: يجوز التحكيم في حد القذف والقصاص، قال المرغياني (وتخصيص الحدود والقصاص يدل على جواز التحكيم في سائر المجتهدات (٣) . وعبر عبد الله الموصلي عن عدم جواز التحكيم في الحدود والقصاص؛ لأنه لا ولاية لهما على دمهما حتى لا يباح بإباحتهما) (٤) .

والفرق بين القضاء والتحكيم أن المحكم قد يولي من القاضي، من جهة المتخاصمين الذين احتكموا إليه، القاضي يولي من الإمام أو نائبه أو من الدولة، وولاية القضاء واسعة، وولاية التحكيم قاصرة على المتحاكمين فقط، ويمكن للقاضي أن يفسخ حكم المحكمين، والقضاء لا يشترط فيه موافقة المتخاصمين على القاضي، ويشترط في التحكيم، وشروط القاضي أشد من شروط المحكم.

مبدأ التحكيم الدولي:

يختلف التحكيم عن القضاء وإن كان المحكم هو بمثابة القاضي، وأوجه الاختلاف أن القاضي يعين من الدولة في أي محكمة من محاكمها سواء أكانت محكمة صلح أو ابتدائية أو استئنافية أو محكمة التمييز العليا، بينما المحكم يختاره الطرفان المتنازعان برضاهما، ويتفقان على قبول حكمه.

والإسلام أول دين أقر التحكيم – كما ذكرنا الأدلة على ذلك – وتطور في الأمم بعد ذلك ولا سيما في الدول الغربية إذا نشأ التحكيم بواسطة رئيس الدولة (الملك أو مندوب عنه) وذلك عندما نشأ التنازع بين البابا والإمبراطور، أي بين السلطتين الدينية والدنيوية، ثم زال هذا النوع من التحكيم في عهد الإصلاح الديني، وظهور الدول القومية في القرن السادس عشر في أوروبا، وبدأ التحكيم بواسطة لجنة مختصة، وأول تطبيق لها كان بين إنجلترا والولايات المتحدة في منازعات الحدود بينها كحالة تحديد نهر الصليب المقدس (Sainte Croixe) .


(١) الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع ٢ / ٢٦٤
(٢) مشروع الهداية ٦ / ٤٠٨
(٣) الهداية للمرغيناني ٣ / ٧٩
(٤) الاختيار لتعليل المختار ٢ / ٩٣

<<  <  ج: ص:  >  >>