للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مشروعية الاحتكام إلى محكمة العدل الدولية:

ذكرنا أن اختصاص محكمة العدل الدولية في القضاء والإفتاء والقواعد التي تعتمد عليها، ونريد أن نتبين الحكم الشرعي في الاحتكام إليها بين الدول الإسلامية وغيرها من الدول غير الإسلامية، وبين الدول الإسلامية نفسها، وذلك يرجع إلى أمور ثلاثة:

أولًا: قوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء:١٤١] فإن من الأئمة من قال: إن الآية عامة تشمل الدنيا والآخرة، وهي وإن تبعها قوله تعالى {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [البقرة: ١١٣] لكن عمومها يفيد أنها في الدنيا كما هي في الآخرة، والتحكيم والقضاء فيه سبيل على الآخرين، فلا يجوز التحكيم أو القضاء لغير المسلم، والمحكمون أو أعضاء محكمة العدل الدولية قد يكونون من المسلمين ومن غير المسلمين فلا يجوز للدولة أن تلجأ في التحكيم ولا في طلب الحكم إليهم للآية الكريمة (١) .

ثانيًا: هل يصح أن يكون المحكم (وهو كالقاضي) غير مسلم، وهل يصح أن يلجأ إلى محكمة العدل الدولية وقضاتها غير مسلمين لتفصل في النزاع بين الدول الإسلامية.

لقد نص الفقهاء على أن القاضي يجب أن يكون مسلمًا فقالوا: لا يجوز لكافر أن يتولى منصب القضاء بين المسلمين باتفاق الفقهاء لقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: ١٤١] أي طريقًا للحكم عليهم، والقضاء من أعظم السبل وأقواها.

وأعضاء محكمة العدل الدولية بحسب اختصاصها إما أن يكون قضاة أو محكمين:

فإن اعتبرناهم قضاة، فإن كانوا مسلمين فليست هناك مشكلة في اللجوء إلى محكمة العدل، وإن كانوا غير ذلك فالنص على عدم جواز قضائهم في المسلمين (٢) ، ومنهم الدولة الإسلامية، ولا يصح أن تفض النزاع فيما بينهم بل لا بد من قضاة مسلمين.

وإن اعتبرناهم محكمين فالخلاف بين الفقهاء في اشتراط الإسلام للمحكمة، فمنهم من اشترط أن يكن مسلمًا كالقاضي ومنهم من لم يشترط الإسلام بل اكتفى بأن يكون المحكم حرًّا بالغًا عاقلًا عادلًا مقبول الفتوى، عالمًا بالشريعة، يجوز الاحتكام إلى محكمين دوليين غير مسلمين، وأيضًا لا يجوز الاحتكام لمحكمة العدل العليا ما دام المحكمون غير مسلمين. وقد نص الفقهاء على أنه إذا كان الطرفان المتنازعان مسلمين جازت المفاوضة بينهما في هذا الأمر أو اللجوء إلى تكوين لجان تحقيق منهما أو لجان توفيق للإصلاح فيما بينهم. ويلتزم المحكمان بقرار المحكم عند الحنابلة والحنفية (٣) ولكل منهما الرجوع عن التحكيم قبل إصدار الحكم عند الحنفية وسحنون من المالكيين أما ابن ماجشون فلا يجوز رجوع أحدهما.


(١) كتاب القضاء لعبد الله الشيرازي / ١٨؛ وتفسير الألوسي ٣ / ٧٨
(٢) الأحكام السلطانية للماوردي / ٦٥؛ ورد المحتار ٥ / ٣٣٥
(٣) فتح القدير ٥ / ٤٩٨؛ والمبسوط ٢١ / ٦٣؛ وحاشية الدسوقي ٤ / ١٤٠

<<  <  ج: ص:  >  >>