للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى القول الثاني جاز أن يلجأ إلى التحكيم على أساس ما أقره الإسلام من قواعد قال عليه السلام في العهد الذي كتبه لأهل المدينة: ((أنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله (١) ، وقال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: ٦٥] )) .

وقد ذكر ابن هشام أن تحكيمًا جرى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين نصارى نجران دعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المباهلة فقال له أحدهم: أحكمك اليوم والليلة فمهما حكمت فهو جائز (٢)

وإذا كانت المادة (٣٣) من ميثاق الأمم المتحدة تحدد طرق الوسائل السلمية لحل الخلافات وفض النزاعات والتحقق والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية والالتجاء إلى المنظمات الإقليمية وغيرها من الوسائل السلمية التي يرضاها الطرفان، فالنص على رضا الطرفين أساسي في اختيار القانون الذي يحكمان به، ولذلك فإن الالتجاء إلى التحكيم الدولي أو إلى محكمة العدل الدولية يقتضي من الدول الإسلامية أن تختار اللجوء إلى الأحكام الشرعية وذلك لقوله تعالى {وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [البقرة: ٢١٣] ، وقوله سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: ١٠٥] ، ولقوله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: ٤٢] ، وما دامت القواعد العامة التي يلجأ إليها هي العدل وعلى أساس احترام الحق (كما جاء في المادة (٣٧) من اتفاقية لاهاي) فإن العدل والحق يتمثلان في القواعد والأحكام التي جاءت بها الشرائع السماوية ومنها الإسلام. قال سبحانه {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى} [ص: ٢٦] ، وقال {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: ٥٨] ، ويرى الشيخ وهبة الزحيلي أنه (لا مانع من تطبيق القانون الدولي (قواعد الحق والعدالة) في التحكيم لأن الرسول حدد مقدمًا لسعد بن معاذ في قضية التمكين في يهود بني قريظة القواعد التي قضي بها.


(١) سيرة ابن هشام ٢ / ١٤٥
(٢) رواه البيهقي عن ابن مسعود بإسناد صحيح

<<  <  ج: ص:  >  >>