وفي الحديث الصحيح المتفق عليه الذي رواه الإمام أحمد في مسنده عن أم سلمة عن زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت:
جاء رجلان يختصمان في مواريث بينهما قد درست ليس بينهما بينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه. فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه؛ فإنما أقطع له قطعة من النار)) .
فالقاضي إذا أصدر حكمه وأصبح نهائيًّا غير قابل للطعن اعتبر هذا الحكم عنوان الحقيقة ووجب احترامه والخضوع له وأصبح لا مفر من تنفيذه إذا طلب المحكوم له ذلك.
أما ما يصدر عن رجل العلم والفتوى فهو محل للمناقشة ويصح الأخذ به أو العدول عنه.
القاضي يعتمد فيما يصدره من أحكام على الدليل والحجة والراجح من الأقوال في مذهبه كما يعتمد البينة أي يبين الحق ويظهره ويثبته ويرد الباطل ويدحضه ويقضي على ألاعيب الخصوم وحيلهم.
وقد يكون رأي هذا القاضي مخالفًا حين ينتصب للفتوى فيفحص الموضوع من زاوية أخرى ويأخذ بالمرجوح من الأقوال ليطبقه على الموضوع المطروح عليه مراعيًا في ذلك المصلحة العامة المرسلة مجتهدًا في التيسير سالكًا سبل الوصول إلى الحق من أيسر الطرق ((ومن يشاد هذا الدين يغلبه)) .
فالنص الشرعي الثابت المسند إليه يمكن أن يعتمد ويستدل به على صرح ما يفهم من عبارته أو إشارته أو دلالته أو اقتضائه، وهذه طرق متفاوتة في قوة دلالتها وعند التوقف والتعارض يرجح المفهوم بالعبارة على المفهوم بالإشارة ويجرح المفهوم بأحدهما على المفهوم بالدلالة وطبعًا مع الإسناد فيما أبداه من الرأي وأدى إليه اجتهاده فيما صرح به.
قال بعضهم: الفرق بين القضاء وفقه القضاء فرق بين الأخص والأعم، ففقه القضاء أعم؛ لأنه الفقه بالأحكام الكلية وعلم القضاء هو العلم بتلك الأحكام الكلية مع العلم بكيفية تنزيلها على النوازل الواقعة والقاضي بمعزل عن الإفتاء وإبداء الرأي في القضايا التي من المفروض أن تنشر لديه.