للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مبدأ التحكيم

في الفقه الإسلامي

وإذا كان القضاء هو مكان التقاضي ترفع إليه الخصومات والنزاعات لفصلها والبت في شأنها فما هو دخل غير القضاة في فصل النزاعات وحلها؟

لقد سمح بهذا التحكيم نفاذًا لإرادة المتخاصمين وإطلاقًا لحريتهم وتخفيفًا من حدة التقاضي أمام القضاة.

وهو تحكيم في عموم قضايا الأموال وجملة حقوق المتنازعين وتحكيم يتعلق بالخصام بين الزوجين والخلافات بينهما التي قد يتعذر إثباتها ونسبة أضرارها لفاعلها.

والأصل في ذلك أي في إثبات تحكيم القرآن الكريم

قال الله سبحانه وتعالى:

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: ٦٤] .

والآية بعدها ٦٥: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥] .

قال النسيابوري: اختلف المفسرون في المراد من الطاغوت على أقوال متعددة ترجع كلها إلى معنى واحد وهو التحاكم لغير كتاب الله وسنة رسوله والتحاكم إلى الطاغوت هو كفر بالله والكفر بالطاغوت إيمان بالله ورسوله.

قال سبحانه: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٥٦] .

جاء في سبب نزول تلكم الآية عدة أقوال منها أنها نزلت في رجل منافق يقال له بشر تخاصم مع يهودي في أمر بينهما تنازعاه واختلفا عليه والتجآ إلى التحاكم فطلب بشر من اليهودي أن يحكم بينهما كعب بن الأشرف وطلب اليهودي أن يتحاكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حكم لفائدة اليهودي، فلما خرجا من عنده قال بشر: لا أرضى بهذا الحكم فاجعل بيني وبينك أبا بكر الذي نظر في الموضوع ثم حكى لليهودي فلما خرجا قال بشر لا أرضى بهذا الحكم، بيني وبينك عمر بن الخطاب، فقصداه وقص عليه اليهودي القصة من أولها وأخبره بما حكم به الرسول عليه الصلاة والسلام وكذلك ما حكم به أبو بكر.

فسأل عمر بشرا هل هذا حقًا؟ فقال له نعم!

فأخذ عمر بسيفه وضرب عنقه وقال هكذا أقضي على من لم يرض بقضاء الله ورسوله وبلغ الأمر إلى النبي عليه أفضل الصلاة والسلام فقال لعمر: ((أنت الذي يفرّق الله به بين الحق والباطل، أنت الفاروق)) .

<<  <  ج: ص:  >  >>