للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاء في سنن النسائي كتاب آداب القضاة باب إذا حكموا رجلًا فقضى بينهم (١) .

قال أخبرنا قتيبة قال حدثنا يزيد وهو ابن المقدام بن شريح عن شريح بن هاني عن أبيه هاني أنه لما وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعه وهم يكنون هانئًا أبا الحكم، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ((إن الله هو الحكم وإليه الحكم فلم تكنى أبا الحكم؟)) فقال له: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين قال: ((ما أحسن هذا؟ ... فمالك من الولد؟)) قال لي: شريح وعبد الله ومسلم: قال: ((فمن أكبرهم؟)) قال: شريح. قال: ((فأنت أبو شريح)) ودعا له ولولده.

يقول جلال الدين السيوطي في شرح هذا الحديث والتعليق عليه: ما أحسن هذا أي الذي ذكرت من الحكم على وجه يرضي المتخاصمين فإنه لا يكون دائمًا على هذا الوجه إلا بكونه عدلًا.

وقد جرى عمل الصحابة بالتحكيم فقد روي البيهقي (سنن البيهقي ج ١٠، ص ١٤٤) عن الشعبي أن عمر بن الخطاب وأبي بن كعب تقاضيا إلى زيد بن ثابت رضي الله عنهم فقال زيد لعمر: لو أرسلت إلي لجئتك فقال عمر: في بيته يؤتى الحكم (٢) .

فأخذ زيد وسادته ليجلس عليها عمر الذي قال له: هذا أول جورك سو بيننا في المجلس، فجلسا بين يديه ونظر في شأنهما فتوجهت اليمين على عمر فقال زيد لأبي لو عفوت أمير المؤمنين عن اليمين فقال عمر: ما يدري زيد ما القضاء.

قال في كتاب العناية على الهداية (بهامش فتح القدير جزء ٥ صفحة ٤٩٨) : الصحابة رضي الله عليهم مجمعون على جواز التحكيم وهو فرع من فروع القضاء والتحكيم له جذور بعيدة تحدث عنه القرآن الكريم، وقص أخباره.

ولا مراء ولا خلاف أن المصدر الأول والمرجع الأساسي للتشريع الإسلامي هو كتاب الله القرآن الذي أحكمت آياته، هذا الكتاب الذي لا يتطرق الشك إلى صحة نصه خلافًا لكل الكتب الأخرى.


(١) سنن النسائي ج ٨، ص ٢٢٦
(٢) تم المثل في بيته يؤدي الحكم مثل قديم جاهلي حكاية الأرنب التي التقطت ثمرة فاختلسها منها الثعلب وأكلها فحكما الضب بينهما وذهبا إليه وسمع منهما وطلبا منه أن يخرج إليهما فقال: في بيته يؤتي الحكم (مجمع الأمثال للميداني ج ١، صفحة ١٨٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>