جاء رجلان إلى القاضي شريح فقال أحدهما إن شاة هذا قطعت غزلًا لي فقال شريح: نهارًا أم ليلًا؟ إن كان نهارًا فقد برئ صاحب الشاة وإن كان ليلًا ضمن. ثم تلا قوله سبحانه وتعالى {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ}[الأنبياء: ٧٨] .
وهكذا قضى شريح بما جاء في الحديث السابق مطبقًا الآية الكريمة باعتبار أن أصل الضمان محمول على كاهل رب الغنم التي تنهمل ليلًا بدون راع وتفسد أشياء الآخرين.
وقد اختلف الفقهاء فيما أفسدته المواشي والدواب على أربعة أقوال:
الأول: إن كان دابة مرسلة غير محفوظة فصاحبها ضامن لما أفسدته.
الثاني: أن لا ضمان على صاحب الدابة.
الثالث: إن أرباب الدواب يضمنون ليلًا لا نهارًا.
الرابع: وجود الضمان في غير المنفلت دون المنفلت.
وقد ذهب إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه إلى الضمان ليلًا لا نهارًا؛ إذ العادة الغالبة حفظ الزرع نهارًا والدابة ليلًا، ولذا فإن كل واحد يتحمل مسؤولية حفظه لما يملك، ويؤيد ذلك ما ذهب إليه الإمامان الشافعي والحنبلي رضي الله عنهما.
أما الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه فإنه يرى أن لا ضمان إطلاقًا وأن البهائم إذا أفسدت زرعًا ليلًا أو نهارًا فإن صاحبها لا يغرم وإن حديث البراء منسوخ بحديث آخر وقوله عليه الصلاة والسلام ((جرح العجماء جبار)) . . . . أي هدر.
وعمدة مالك والشافعي وابن حنبل آية {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ}[الأنبياء: ٧٨] . وحديث ناقة البراء المتقدم، ويقولون إن حديث جرح العجماء جبار. لم يكن ناسخًا بل هو عام وخص منه الزرع بحديث البراء، هذا وقد استفاد التقنين الوضعي من هذا الاختلاف الفقهي واعتمد واضعوه تلكم المبادئ في مسؤولية صاحب الحيوان عما أتلفه حيوانه من الزرع وإن اختلفت الفروع فقد اتحد الأصل (يراجع في ذلك الأحكام المتعلقة بالفصل ٩٤ من المدونة المدنية التونسية والمادة ١٧٦ من القانون المدني المصري الفصل ١٧٧ من القانون المدني السوري والمادة ٢٤٣ من القانون الكويتي كما يراجع ما كتبه السنهوري في هذا الموضوع (١)