للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والآية الكريمة تضمنت موضوع الاجتهاد القضائي وأن المجتهد إذا اخطأ في حكمه فلا إثم عليه لأن الله أثنى على سليمان بصوابه وعذر داود باجتهاده ولم يذمه بل قال: {وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: ٧٩] .

وقد روى مسلم وغيره عن عمرو بن العاص (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر) .

قال البغوي: هذا حديث متفق على صحته (١) .

والحديث رواه مسلم في الأقضية إذا حكم فاجتهد، بدأ بالحكم قبل الاجتهاد مع أن الاجتهاد مقدم على الحكم والمعنى – والله أعلم – إذا أراد أن يحكم كما في قوله سبحانه وتعالى.

{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: ٩٨] .

والمجتهد المصيب في اجتهاده وفي قضائه له أجر من أجل إعمال الفكر والتدبر والاجتهاد وله أجر آخر من أجل الإصابة.

أما الآخر فله أجر واحد من أجل الاجتهاد وإعمال الفكر وتحريض على السير حتى يصل إلى الصواب دون تحجر.

قال علي بن الجعد، أنبأنا شعبة عن سيار عن الشعبي قال:

أخذ عمر فرسا من رجل على سوم فحمل عليه فعطب فخاصمه الرجل.

فقال عمر: اجعل بيني وبينك رجلًا: أي حكما

فقال صاحب الفرس إني أرضى بشريح العراقي ولم يكن وقتها قاضيا

فقال شريح: أخذته صحيحا سليما فأنت له ضامن حتى ترده صحيحا سليما فأعجب به عمر وقال في شأن اجتهاد القاضي كلمته الخالدة:

(ما استبان لك من كتاب الله فلا تسأل عنه فإن لم يستبن من كتاب الله فمن سنة رسوله فإن لم تجد في السنة فاجتهد رأيك) .

وطبعي أن القاضي المجتهد الذي له أجر واحد هو القاضي العالم الباحث عن وجه الحق والصواب، والدارس للأحكام وفقه القضاء السابق، والذي أداه نظره إلى الحكم بما رآه صوابا وعدلا أو ظنه صوابا وحقا وعدلًا، لأن الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم يقول:

((القضاة ثلاثة: اثنان في النار وواحد في الجنة، قاض عرف الحق فقضى به فهو في الجنة، وقاض يجهل فهو في النار، وقاض عرف الحق فجار فهو في النار)) .


(١) ج١٠ صفحة ١١٥

<<  <  ج: ص:  >  >>