للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن حيث الخصوص يحق لأب المرأة أو وليها اشتراط ما يراه لمنفعتها عند عقد زواجها ما لم يكن في ذلك أيضًا مخالفة للأحكام الشرعية استدلالًا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عقبة بن عامر أنه قال: ((أحق الشروط أن تفوا بها ما استحللتم به الفروج)) . . . . (١) .

ثم ذكر أن الشروط لمنفعة الزوجة على ثلاثة أوجه، وذكر في الوجه الثالث: أن يتشرط الأب عليه (أي على المتقدم للزواج) ما فيه دفع ضرر محتمل عنها مثل معرفة قدرته على انجاب الولد أو سلامته من الأمراض مثل الجذام أو نقص المناعة محل السؤال أو أي مرض آخر ينتقل إليها منه فيعرض حياتها للخطر، ذلك أن الأصل دفع الضرر متى كان من الممكن دفعه، فالأب ومن في حكمه أمين على موليته، فإذا خشي عليها من احتمال انتقال العدوى إليها من الزوج وجب عليه الاحتراز من ذلك ابتداء بالتثبت من سلامة الزوج، ولما كانت بعض الأمراض – كما هو الحال في مرض نقص المناعة – من الأمراض المعدية ولا تظهر آثاره إلا بعد مدة من الزمن، ولما كان وجوده من عدمه يتطلب فحص الدم وتحليله حق للأب ومن في حكمه أن يشترط على من يريد الزواج من ابنته سلامته منه، بل الواجب على طالب الزواج أن يكشف ما قد يكون لديه من الأمراض أو العيوب، فقد روي أن عمر رضي الله عنه بعث رجلًا على بعض السقاية فتزوج من امرأة وهو عقيم فقال له عمر: هل أعلمتها أنك عقيم؟ قال: لا، قال: فأعلمها ثم خيرها (٢) .

وقال أبو محمد صاحب الإمام أبي حنيفة ينبغي خلو الزوج من كل عيب لا يمكن الزوجة المقام معه إلا بضرر كالجنون والجذام، وجعل الشرط لها في ذلك أوجب من شرط الزوج له، ذلك أن هذا يمكنه دفع الضرر عن نفسه بالطلاق لأنه بيده والمرأة لا يمكنها ذلك لأنها لا تملك الطلاق (٣) .

ويرى الإمام ابن تيمية أن الأصل في الشروط الصحة واللزوم ما لم يدل الدليل على خلافه، وذكر ما قيل بأن الأصل في الشروط عدم الصحة إلا ما دل الدليل على خلافه، ورأى أن القول الأول هو الصحيح إذا لم يكن المشروط مخالفًا لكتاب الله (٤) .


(١) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ج ٥ ص ٣٨٠
(٢) مصنف عبد الرزاق ج ٦ ص ١٦٢
(٣) بدائع الصنائع ج ٢ ص ٣٢٦ – ٣٢٧؛ وكذلك نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ج ٦ ص ٢٥٦ – ٣٠٨ – ٣١٢
(٤) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع عبد الرحمن بن قاسم ج ٢٩ ص ٣٤٦ – ٣٤٧؛ كذلك زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم ج ٤، ص ٤- ٥

<<  <  ج: ص:  >  >>