للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤- وكذلك فإن حديث ((لا ضرر ولا ضرار)) . . . . (١) . والمقصود بلا ضرر: أنه لا يجوز الإضرار ابتداء بمعنى أنه لا يجوز للإنسان أن يضر شخصًا آخر في نفسه وماله لأن الضرر ظلم والظلم ممنوع في كل دين (٢) ، وأما قوله ولا ضرار: فإنه لا يجوز مقابلة الضرر بمثله هوهو الضرار، كما لو أضر شخص آخر في نفسه وماله لا يجوز للشخص المتضرر أن يقابل ذلك الشخص بضرر، بل يراجع الحاكم ويطلب إزالة الضرر (٣) .

ونقل مرض الإيدز ضرر وأي ضرر، فيمتنع على الإنسان نقله إلى الآخرين وعليه إعلامهم به في الحالة التي لا يجوز السكوت عنها كتجنيبه المخالطة معه.

وعدم الإفضاء يعد تدليسًا، فيذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه إذا دلس أحد الزوجين على الآخر، بأن كتم عيبًا فيه، يثبت الخيار، لم يعلمه المدلس عليه وقت العقد ولا قبله وهو خيار فسخ النكاح (٤) .

وقد جاء في المادة ١٨٦ من قانون المعاملات المدنية الإماراتي (يعتبر السكوت عمدًا عن واقعة أو ملابسة تغريرًا إذا ثبت أن من غرر به ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة (. . . . وهنا تتحقق الوسيلة التغريرية المطلوبة بمجرد كتابة أمر يجب الإفصاح عنه عمدًا (٥) .

وهذا الالتزام قد يجد مصدره في طبيعة عقد النكاح الذي يتطلب درجة عالية من الثقة بين طرفيه مما يفرض على كل منهما الإفضاء للآخر بالمعلومات المؤثرة في العقد.

ولنا أن نتساءل: هل عدم الإفضاء يرتب المسؤولية المدنية الشرعية؟

أما المسؤولية المدنية: والجنائية، فإننا نقول نعم وفقًا لأحكام الديات والأروش وحكومة العدل، ونعلم أن من مقاصد الشرع رفع الظلم وجبر الضرر، ونحن هنا لن نبحث هذه الموضوعات باعتبار أن موضوعنا هو في أحكام الزواج، أما مسألة الميراث، فإذا كان المتسبب في إصابة الآخر بالإيدز هو الزوج مثلًا بحيث أصاب زوجته وماتت بهذا المرض قبله فهل يرثها؟ وإذا كان قد ترتب عليه دفع الدية، فهل يرث من الدية؟


(١) أخرجه مالك في الموطأ ج ٢ ص ٧٤٥ من حديث يحيى المازني مرسلًا، ولكن له شواهد موصولة يتقوى بها وقد أصبح قاعدة عامة.
(٢) على حيدر درر الحكام بشرح مجلة الأحكام، الكتاب الأول قاعدة ١٩ ص ٣٢
(٣) علي حيدر درر الحكام بشرح مجلة الأحكام، الكتاب الأول قاعدة ١٩ ص ٣٣.
(٤) روضة الطالبين ج ٧ ص ١٧٦ – ١٨٣؛ مغني المحتاج ج ٦ ص ٢٠٢ – ٢٠٨؛ قليوبي عميرة ج ٣ ص ٢٦١؛ مطالب أولي النهي ج ٥ ص ١٤١ – ١٥٠؛ شرح الزرقاني لموطأ مالك ج ٣ ص ٢٣٥ – ٢٤٣؛ المغني ج ٦ ص ٦٥٠
(٥) الأستاذ الدكتور مصطفى الجمال أحكام المعاملات المدنية في إطار الفقهين الإسلامي والغربي وقانون المعاملات المدنية الإماراتي مصادر الالتزام ص ٢٣٧، انظر الالتزام قبل التعاقد للدكتور نزيه صادق المهدي ص ٢٧٤

<<  <  ج: ص:  >  >>