للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجب علينا هنا أن نوضح بأن الزوجة التي ماتت بسبب الإيدز الذي نقله إليها زوجها وهو يعلم بإصابته، أو كان يفترض علمه باعتبار مخالطته للمومسات في بلد أو منطقة اشتهر إصابة النساء العاهرات بالإيدز.. فلا يعد هذا قتل خطأ، فهو قتل عمد على اعتبار تجريح موت الشخص نتيجة لإصابته بهذا المرض (١) .

فإذا قلنا بذلك فإن الأحناف قد بينوا بأن القتل الذي يمنع الميراث هو القتل العمد العدوان، والقتل الذي يشبه العمد، والقتل الخطأ، والقتل الذي يشبه الخطأ، أو ما جرى مجرى الخطأ (٢) .

ويذهب المالكية والحنابلة إلى أن القاتل عمدًا مباشرًا أو متسببًا يمنع من الميراث من المال والدية (٣) ، ويذهب الشافعية إلى أن القاتل لا يرث من مقتولة مطلقًا سواء أكان مباشرة أم تسببًا، ودليلهم عموم خبر الترمذي وغيره ((ليس للقاتل شيء)) أي من الميراث. (٤) ولذا نرى أن عقوبة المنع من الميراث تطال الزوج عند جميع الفقهاء على اعتبار أن قتلها عدوان.

ثالثًا: هل للولي أن يمنع عقد زواج موليته من مصاب بالإيدز؟

القياس هنا يكون على المصاب بالجذام والبرص، فقد ورد في المذهب الحنبلي أنه يجوز للولي أن يمنع موليته من الزواج لاعتبارات الضرر، وأنه عار عليها وعلى أهلها وضرر بالولد من هذا النكاح، فقد ذكر ابن قدامة في جواز منع الولي لموليته من الزواج من الأبرص والمجذوم وجهين في الفقه الحنبلي (أحدهما) لا يملك منعها لأن الحق لها والضرر عليها فأشبه المجبوب والعنين (والثاني) له منعها لأن عليه ضررًا فإنه يتعير به ويخشى تعديه إلى الولد فأشبه التزويج لمن لا يكافئها وهذا مذهب الشافعي، والأولى أن له منعها في جميع الصور لأن عليها فيه ضررًا دائمًا وعارًا عليها وعلى أهلها، فملك منعها منه كالتزويج بغير كفء، أما إذا اتفقا على ذلك ورضي به جاز وصح النكاح لأن الحق لهما ولا يخرج عنهما، ويكره لهما ذلك لما ذكره الإمام أبو عبد الله من أنها وإن رضيت الآن تكره فيما تكره بعد، ويحتمل أن يملك سائر الأولياء الاعتراض عليهما ومنعهما من هذا التزويج لأن العار يلحق بهم وينالهم الضرر فأشبه ما لو زوجها بغير كفء (٥) . وكذلك ذكر البهوتي: وإن اختارت مكلفة أن تتزوج مجنونًا أو مجذومًا أو أبرص فلوليها العاقد منعها منه لأن فيه عارًا عليها وعلى أهلها وضررًا يخشى تعديه إلى الولد، كمنعها من تزويجها بغير كفء (٦) .


(١) ولا يمكن أن يدعي أنه قد احتاط لنفسه عند المعاشرة باستعمال المطاط الواقي حيث ثبت أنه في كثير من الأحيان لا يحقق النتيجة وهي عدم الإصابة، انظر كتاب عالم بدون إيدز ليون شايتو وسيمون مارتن ترجمة مؤسسة الأبحاث اللغوية – قبرص ص ٤٠ – ٤١
(٢) السراجية ج ١٨، الشرح الكبير ج ٤ ص ٤٦٩ – ٦٧١؛ الهداية ج ٤ ص ١١٨ أحمد إبراهيم كتاب المعاملات الشرعية والمالية ١٩٣٧ ص ٦٧١؛ د. صديق الضرير الميراث ص ٢٧ – ٢٨؛ د. محمد يوسف موسى التركة والميراث في الإسلام ص ١٦٥ وما بعدها.
(٣) حاشية الدسوقي ج ٤ ص ٤٨٦ الكبير ج ٤ ص ٤٥٠؛ د. وهبة الزحيلي الفقه الإسلامي وأدلته ج ٨ ص ٢٦٢ – ٢٦٣؛ د. صبحي المحمصاني المبادئ الشرعية والقانونية في الحجر والعقاب والميراث أو الوصية ص ٢٩٨
(٤) المغني ج٦ ص ٣٢٠ كذالك د. وهبة الزحيلي الفقه الإسلامي وأدلته ج٨ ص٣٢٢؛ د. صديق الضرير،الميراث ص٣٢
(٥) المغني ويليه الشرح الكبير ج ٧ ص ٥٩٠
(٦) شرح منتهى الإرادات ج ٣ ص ٥٤

<<  <  ج: ص:  >  >>