ذلك أن أمر المسلمين باعتماد رؤية الهلال ليس هو أمرًا تعبديًا كما يحاول أن يقول به بعضهم، بل لأسباب أخرى منها:
أولًا: أن الرؤية هي الوسيلة الممكنة في زمن البعثة لمعرفة بداية الشهور ونهايتها، لأن الكتابة كانت قليلة نادرن وأن الرصد الفلكي لم يصل إلى درجة من الوضوح والدقة حتى يصبح وسيلة لإثبات الحكم، وكثيرًا ما وصفوا حساب المنجمين بأنه حدث وتخمين.
ثانيًا: أن الأمية التي وصف بها الرسول المسلمين هي وصف عارض لهم زمن البعثة، لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة ونادرة، كما قال ابن حجر: وقد جاء الإسلام ليخرجهم من ظلمات الجهل إلى نور الإسلام والمعرفة، وبذلك يزول وصف "الأمية" عنهم وقد فعل.
ومعنى هذا أن الحساب إذا وصل إلى درجة من الوضوح والدقة وأصبح علمًا من العلوم الصحيحة، وأصبحت الكتابة المنتشرة في غالب أنحاء العالم الإسلامي، فإنه يمكن الاعتماد على الحساب كالاعتماد على الرؤية.
وإذ جاز أن يكون ضعف علم الحساب والهيئة في الماضي حجة لهم على عدم الاعتداء به، فلا يجوز أن يكون حجة في العهد الحاضر على عدم اعتباره.
أما شيخ الإسلام ابن تيمية فإنه يعتبر الأمية صفة للأمة الإسلامية كالوسطية لا تنفك عنها بحال فقال (في ص ١٦٢ من الجزء ٢٥ من الفتاوى) : "فهذه الأحاديث المستفيضة المتلقاة بالقبول دلت على أمور: أحدها: أن قوله: ((إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)) هو خبر تضمن نهيًا، فإنه أخبر أن الأمة التي اتبعته، وهي الأمة الوسط أمية، لا تكتب ولا تحسب، ومن كتب أو حسب لم يكن من هذه الأمة في هذا الحكم، بل يكون قد اتبع غير سبيل المؤمنين الذين هم هذه الأمة"..
ومع تقديري الكامل لعلم شيخ الإسلام ابن تيمية وسمو مداركه فإني أعتقد أن تفسيره للأمية هذا لا يقره عليه عدد كبير من علماء المسلمين وخاصة في العصر الحاضر.