اعتقد علماء الفلك والهيئة من جانبهم أنهم مخاطبون شرعًا للعمل يلف هذا الميدان لا سيما والقرآن نفسه رغب الناس في علم الهيئة لمعرفة حساب الشهور والسنين من منازل القمر بقوله تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} .
وقد ورد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((فإذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له)) .
ويتعين أن يكون المراد من ((اقدروا)) انظروا فيه وتدبروه حتى تعرفوا الأوقات، وذاك يختلف باختلاف الناس، ولا يلزم أن يكون كل الناس عارفين بالعلامات التي تدل على الأوقات، بل يكفي أن يعرف ذاك البعض، وسبيل من لم يعرف أن يسأل من يعرف، والله تعالى يقول:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} .
كما حفزهم على بذل الجهد في هذا الميدان بالحديث المروي عن ابن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:((إنا أمة أمية لا تكتب ولا تحسب الشهر هكذا وهكذا)) ، وانكبوا انكبابًا كليًا لمعرفة كل العلوم للخروج من الأمية إلى نور العلم والمعرفة محبة في الرفعة، والله يقول:{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} .
وهكذا انطلق علماء الفلك المسلمون على رصد سير الشمس والقمر منزلة منزلة حتى تمكنوا من التقدم في هذه العلوم تقدمًا واسعًا، كما تمكنوا من معرفة الأحوال التي يمكن أن يرى فيها الهلال إذا تعذرت رؤيته بالبصر حتى كانت نتائجهم لا تخالف الرؤية البصرية، بل كانت الرؤية تؤكد حسابهم وإرصادهم، مما جعل علم الهيئة يتبوأ الصدارة من بين العلوم لديهم، وهذا ما تفطن إليه كثير من الفقهاء في مختلف المذاهب الإسلامية، وجعلهم يميلون شيئًا فشيئًا إلى هذه الاكتشافات العلمية الصحيحة، ويعطون للحساب ما يستحقه من اعتبار في التشريع، إذ أصبح وسيلة من وسائل إثبات الصوم لا تقل قيمة عن الرؤية البصرية.