إن القول بجواز الاعتماد على الحساب ابتدأ من عهد التابعين، أمثال: مطرف بن عبد الله، وابن قتيبة من المحدثين، والقاضي عبد الجبار، وابن مقاتل الرازي من أصحاب محمد بن الحسن، وأبي العباس ابن سريج والقفال، والقاضي أبي الطيب من الشافعية كما نص على ذلك القرطبي في تفسيره (ج ٢ ص ٢٩٣) وقال: "وقد ذهب مطرف بن عبد الله بن الشخير وهو من كبار التابعين، وابن قتيبة من اللغويين، فقالا: يعول على الحساب عند الغيم، بتقدير المنازل واعتبار حسابها، في صوم رمضان حتى إنه لو كان صحوًا لرئي، لقوله عليه السلام:((فإن غم عليكم فاقدروا له)) ، أي استدلوا عليه بمنازله، وقدروا إتمام الشهر بحسابه.
وصرح صاحب الهداية الحنفي في كتابه مختارات النوازل (١) : أن علم النجوم قسمان: أحدهما الحسابي معلنًا أنه حق، وقد نطق به الكتاب قال تعالى {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} أي سيرهما بحساب، بل إن كثيرًا من الآيات القرآنية ترغب الناس في علم الهيئة لمعرفة حساب الشهور والسنين من منازل القمر، كقوله تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} .
أما العلامة ابن دقيق العيد فقد قال في شرح عمدة الأحكام: "والذي أقول به أن الحساب لا يجوز أن يعتمد عليه بمفارقة القمر للشمس على ما يراه المنجمون من تقدم الشهر بالحاسب على الشهر بالرؤية بيوم أو بيومين، فإن ذلك إحداث لسبب لم يشرعه الله تعالى، وأما إذا دل الحساب على أن الهلال قد طلع من الأفق على وجه يرى لولا وجود المانع، كالغيم مثلًا فهذا يقتضي الوجوب لوجود الحساب الشرعي، وليس حقيقة الرؤية بمشروطة في اللزوم، لأن الاتفاق على أن المحبوس في المطمورة إذا علم بالحساب بإكمال العدد بالاجتهاد بالأمارات وجب عليه الصوم، وإن لم ير الهلال ولا أخبره من رآه (كتاب أحكام الأحكام الجزء الثاني ص ١٧) .
أما الإمام ابن السبكي فقد ذهب إلى اعتماد الحساب في إثبات الأهلة ومواقيت الصلاة، بناء على أن الحساب قطعي الثبوت، نظرًا إلى ما وصل إليه علم الحساب والفلك من الدقة، والوثوق في نتائجهما، وقرر الإمام ابن السبكي: أنه لو شهدت بينة برؤية الهلال ليلة الثلاثين من الشهر، وقال الحساب بعدم إمكان الرؤية تلك الليلة عمد بقول أهل الحساب لأن الحساب قطعي والشهادة ظنية.